هو شكل من أشكال تأطير الحال بما يتناسب وتوقعات الآخرين وفي كثير من الأحيان بما يتطابق مع رغبتنا في كيفية الظهور أمامهم.
نصنع البرواز بالشكل المناسب والحجم الذي نريد،ليس لنبدو بأجمل صورة وحسب وإنما كي نضيف عليها بحسب متطلبات المزاج الاجتماعي أو نحذف بما يناسبه، ونعتقل أنفسنا بين أضلاع البرواز، نصبح فيه وكأننا صورة تشبه إلى حد كبير الصورة الفوتغرافية التي تعلق على الجدران في سكونها وثباتها.
متحركون لكننا ثابتون، ثابتون على الهيئة التي نريدها، ليس لمفردة «كان» و»كنا»مكان، وإن وجدت مكانها فتكون وظيفتها مقتصرة على إسدال «الذكريات الستائر» فننتقي من الماضي نقاطا نعزز فيها قوتنا ونسقط أية نقاط ضعف.
البرواز الاجتماعي يؤدي وظيفة نفسية اجتماعية بلا شك، فمن خلاله ومن خلال ما نوهم به أنفسنا والآخرين يعوضنا عما نفتقده، ويحفظ لمن يسجن نفسه فيه هيبته الاجتماعية ويمنحه التوازن النفسي المؤقت، ولأن البرواز مصنوع من وهم ومن أكاذيب بيضاء فهو محدود مدة الصلاحية أو يجب أن يكون هكذا لأن الاستغراق في الأكاذيب التي ترضي المجتمع لا يحقق الرضى الذاتي ولذا يكون هذا السجن الصغير الذي نصنعه بأيدينا سببا في تشكل توترات نفسية وصراعات داخلية، فالواقع الذي نحياه غير الواقع الذي نتحدث عنه، والمصاعب التي نواجهها حقيقة لا وجود لها بين أضلع البرواز والخوف كل الخوف أن يسقط البرواز وتظهر الحقائق، فظهورها مشكلة والاستمرار بمداراتها وتجميلها وتزويرها مشكلة أيضا.
ما أجمل الحياة بدون برواز وبدون تجمل ولا تزوير حتى وإن كان هذا التجمل مطلبا اجتماعيا، فالعفوية والصدق ومواجهة الحقائق كما هي دونما خجل ولا حسابات يصنع شخصية متصالحة مع ذاتها ومع من حولها، شخصية تأبى أن تعتقل داخل إطار فتفقد إنسانيتها، شخصية تعترف بمواطن ضعفها كما تقر بنقاط قوتها، تلك هي الشخصية التي تتمكن من تحويل الضعف إلى قوة.
لكن من منا يستطيع أن يكسر البرواز بكلتا يديه ليصرخ ويقول: أنا إنسان، إنسان بقوتي وضعفي بغناي وفقري، بكل ما لدي من أشياء جميلة وكل ما لدي من منغصات…؟