الاستشارة الإلكترونية : النصيحة طوع أناملك .
الشيخ عادل بن سعد الخوفي
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
جاء في أدب الدنيا والدين ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( الرجال ثلاثة : رجل تَرِدُ عليه الأمور فيسددها برأيه، ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي، ورجل حائر بائر لا يأتمر رُشداً ولا يطيع مُرشداً ) .
ويقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : ( إن المشورة والمناظرة بابا رحمةٍ , ومفتاحا بركةٍ , لا يضل معهما رأي ولا يفقد معهما حزم ) (بدائع السلك في طبائع الملك لابن الأزرق ) .
على هذا فالمشورة اصطلاحاً كما جاء في الذريعة للراغب رحمه الله : ( استنباط المرء الرأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور، ويكون ذلك في الأمور الجزئية التي يتردد المرء بين فعلها وتركها ) .
والأصل في المشورة المقابلة الشخصية بين المستشير و المستشار ، وهكذا كانت ولادة الاستشارة أو المشورة ، ثم أضيف إليها المشورة عن طريق الهاتف ، فزادت رقعة اتساعها ، وتطور أعداد المستفيدين منها ، ثم أنعم الله علينا بـ ( الشبكة العنكبوتية ) فنشأت الاستشارات الإلكترونية ، وبها يكتب المسترشد المشكلة التي عرضت له ، أو المسألة التي يحتاج المشورة فيها ، ويرسلها إلى المستشار على موقعه الاستشاري ، أو بريده الإلكتروني ، أو من خلال رسائل الهاتف النقال ، أو عن طريق بعض برامج القنوات الفضائية . . لتكون الإجابة بين يديه خلال زمن محدود .
وبفضل الله القدير سبحانه ، انتشرت في عالمنا الإسلامي الحبيب ، مراكز ومواقع ، تُعنى بالاستشارات الأسرية والتربوية الإلكترونية ، تستقبل مئات الاستشارات يومياً ، لتحيلها إلى أساتذة فضلاء ، ومختصين نجباء ، جمعوا بين العلم والخبرة ، يشيرون بالرأي الحكيم ، والموعظة بالتي هي أحسن .
ومن أبرز مزايا هذه الاستشارات :
1- أنها سهلة التنفيذ ، سريعة الإنجاز ، قليلة التكاليف نوعاً ما ؛ فبإمكان المستشير إجراء الاستشارة وهو في منزله ، في أي وقت شاء من ليل أو نهار .
2- تمتاز بسهولة الوصول للمستفتي ، سيما النساء ، والقاطنين في البادية أو المناطق النائية ، كما يمكن لصاحبها تعيين المستشار الذي ترتاح إليه نفسه ، مهما نأت دياره ، أو تعددت أشغاله في العموم .
3- تمتاز بسقوط الكلفة والحرج اللذين يعتريان المستشير ، فيمنعانه من البوح بما يستحي منه ، فهي تتيح له فرصة السؤال بخصوصية تجعله يذكر تفاصيل مشكلته الخاصة أو العامة ، وكذا الجوانب المخجلة لديه ، دون الشعور بالخوف من انفضاح أمره أو الكشف عن هويته .
4- تُعطي فرصة لشرائح أخرى من المجتمع لطلب الاستشارة ، لا يؤهلهم واقعهم لطلب المشورة المباشرة ، كربَّات البيوت ، والفتيات ، والشباب .
إننا في حاجة إلى نشر ثقافة الاستعانة بالمستشار الأسري ، بل ودعم المراكز المتخصصة لتقديم هذه الخدمة الهامة ، والعمل على رفع الخجل الذي يعتري أفراد المجتمع من التصريح بالمشاكل التي تعترضهم ، مع أهمية أن يكون للإعلام المرئي والمسموع خطوة إيجابية مدروسة للتعريف بأماكن تقديم هذه الخدمات ، وأهميتها ، ودورها في تحسين أوضاع الأسرة واستقرارها ، وحل مشاكلها الطارئة ، بل وتنمية مهارات أفرادها .
ومن أبرز هذه المواقع : موقع المستشار ، موقع الإسلام اليوم ، موقع لها أون لاين ، موقع المربي ، وغيرها كثير .
مواقع مأمونة . . أسهمت وباقتدار في علاج كثير من الانحرافات السلوكية ، والمشكلات الأسرية ، والمحاذير الأمنية ، ورسمت آيات البر ، وعلامات الأسرة الواحدة ، ومنهج الأخلاق العالية ، وأزاهير السعادة والابتهاج لدى مرتاديها .
ففي موقع ( المستشار ) مثلاً ، وخلال ( 24 ) شهراً من عمره المديد بالعطاء والتميز ، تمت الإجابة عن ( 3500 ) حالة استشارية ، استفاد منها أكثر من ( 800000 ) قارئ ،
عمل على دراستها وإعدادها ( 221 ) مستشاراً ، من ( 14 ) جنسية عربية .
نعمة تستحق منا جميعاً أن نذكرها لأهلها ، ونشكرها لمولانا الكريم الشكور ، فإنها نعمة يُدرك حقيقتها وقيمتها من استنار بنورها ، أو استظل تحت أفيائها .
هذه المواقع المباركة ، حبذا أن تكون في ( مفضلة ) أجهزة الحاسوب التي تقطن بيوتاتنا ، وأن تكون لنا جِلسة مع أفراد أسرتنا ، لبيان أهمية هذه المواقع ، ومجالات الاستفادة منها ، وطرائق التعامل معها .
إننا . . ومهما كان قربنا من فلذات أكبادنا أبناء كانوا أو بنات ، بل وحتى زوجاتنا ، يبقى لهم أسرارهم الخاصة ، وخصوصياتهم التي يحتفظون بها .
ومن الأهمية بمكان ؛ أن نُفسح لهم مساراً آمناً ، ينفِّسون فيه عما يعتلج في صدورهم من ضغوط ، أو مشكلات ، ويستقبلون التوجيه السليم ، ويكفيهم هذا عن مشورة رفقاء السوء ، أو قنوات الفساد ؛ سداً لذرائع الفساد ، ومنعاً للمشورة السلبية .
إنها رسالة لك أخي رب / ربة الأسرة ، أن يكون لك اتصال فيما يعن لك من مواقف أسرية ، أو عقبات تربوية ؛ للتواصل مع الاستشارات الإلكترونية .
إنها رسالة لك أخي الشاب / الشابة ، أن يكون لك اتصال فيما يعرض لك من مشكلات ، أو منغصات ، للتواصل مع الاستشارات الإلكترونية .
كم من رب أسرة ، حمل هم الليل ، وتفكير النهار ، حائراً في مسألة اعترضته ، حار بها ، فلم يدر ماذا يصنع حيالها .
وكم من أرملة أو مطلقة ، اجتمعت عليها هواجيس الدنيا ، وشابت في شبابها ، لا تدري كيف تتعامل مع حادثة وقعت لها ، أو نازلة اعترضتها .
كم من فتاة في ريعان شبابها ، أمست حائرة الفكر ، خائرة القوى ، خافت وهي الطاهرة ، وكادت أن تزل بها القدم ، تأمل أن ترى بصيص أمل فيمن يأخذ بيدها إلى بر الأمان .
وكم من شاب اختلطت المفاهيم حوله ، فلا يدري أي الطرق يسير ، فهو يأمل من يجلو له الحق ، ويزيل عن ناظريه ضبابيات الحقائق ، وترسبات الأفكار .
نقول إحدى المستشيرات في جواب لها لمستشير في أحد مراكز الاستشارات : ( فمنذ سبعة شهور قبل الآن كنت إنسانة محطمة تعيسة بائسة ، ولم يكن لعائلتي مستقبل ولا تعرف حياتي الاستقرار ، وبفضل الله ثم فضلكم فلقد استعدت ثقتي بنفسي ، وحافظت على بيتي ، وتغيرت نظرتي لنفسي ، كنت قبل الاستشارة شبه عازمة على إنهاء حياتي الزوجية ، وحتى لو لم أستطع فعل ذلك حينها ، لكانت الحياة استمرت بائسة كئيبة لا مودة فيها ولا رحمه ، وبعد قراءة الاستشارة ، وإجابة المستشار العاقل الهادئ الشافي بعد الله عز وجل ، قررت المحاولة وأعطيت نفسي وبيتي وزوجي فرصه أخرى ، وأحمد الله تعالى ثم اشكر الشيخ الفاضل أنني اليوم والحمد لله إنسانه أخرى
إن كان بيتي ما زال قائما فهذا بفضل الله ثم فضلكم ، وإن كانوا أولادي ينعمون بدفء البيت بين أب وأم وحياه طبيعيه ، فهذا بفضل الله ثم فضلكم ، بل والله إن صلاح حال زوجي ، وصلاح أمر دينه ، والتزامه واعتدال أمره ، لهو بفضل الله ثم بفضلكم ) .
وهنا ، ولكي تكون الاستشارة محقِّقة لأهدافها . . تنبغي ملاحظة التالي حين كتابتها :
1. كتابة الفئة العمرية ، والمرحلة الدراسية ، ومكان السكن ، والحالة الاجتماعية .
2. بيان أحوال المستشير ، وكذا أحوال الشخصيات المتعلقة بموضوع الاستشارة .
3. صياغة الاستشارة بوضوح ، وتعليل الأحداث ، والمباشرة في العرض ، ليتمكن المستشار من تحديد مرتكزات العلاج بدقة مناسبة .
4. محاولة تحديد سبب المشكلة ، والحلول التي اتخذت ، أو التي يرى المستشير قربها من العلاج .
5. الابتعاد التام عن التصريح بالأسماء ، أو الجهات .
6. إمهال المستشار ، فلا يعجله بطلب إشارة عاجلة ، قد لا تفي بالعلاج المأمول .
إنها دعوة مفتوحة لجميع فئات المجتمع ، كباراً وصغاراً ، ذكوراً وإناثاً ، للاستفادة من هذه الخدمة الجليلة ، ولنستفد منها كيفية علاج العقبات أو المشكلات التي تعترضنا ، بل ولنوسِّع دائرة معرفتنا ومهاراتنا في حياتنا الزوجية ، أو تربية الأبناء ، أو تحصيلنا العلمي والمعرفي ، أو إدارة الأزمات في حياتنا ، ونحو ذلك ، فقد جاء في جامع البيان ، والدر المنثور ، عن الضحاك رحمه الله تعالى ، في قول الله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر ) ( آل عمران : من الآية 159 ) ، قال : ” ما أمر الله نَبِيَّهُ بالمشورة إلا لما يَعْلَمُ ما فيها من الفضل ” .
وحق على العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء وحكمة عقول الآخرين ، فرأي الواحد ربما زلّ ، والعقل الفرد ربما ضلّ ، ولكن عندما تجتمع العقول تصل إلى المأمول ، بإذن الله تعالى .