الذي يعتصم بالله (سبحانه وتعالى) يعيش على أمل لا حدّ له؛ فهو متفائل دائماً ينظر إلى الحياة بوجهٍ ضاحكٍ، ويتقبّلُ حوادثها بثغرٍ باسمٍ لا بوجهٍ عبوسٍ.
فهو إذا حارب كان واثقاً بالنصر؛ لأنّه مع الله؛ يقول تعالى عن عباده المؤمنين: (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات/ 172-173).
وإذا مرض لم ينقطع أمله في العافية؛ يقول تعالى: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء/ 78-80).
وإذا اقترف ذنباً لم ييأس من المغفرة، ومهما يكن ذنبه عظيماً فإنّ عفو الله أعظم؛ يقول تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزّمر/ 53).
وإذا أعسر انتظر اليسر لقوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح/ 5-6).
وإذا انتابته كارثة من كوارث الزمن، كان على رجاءٍ من الله أن يأجره في مصيبته ويخلفه خيراً منها؛ يقول تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة/ 156-157).
وإذا عادى أو كَرِهَ، كان قريباً إلى الصّلة والسّلام، راجياً في الصّفاء والوئام، مؤمناً بأنّ الله يحوِّل القلوب؛ يقول تعالى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الممتحنة/ 7).
وإذا رأى الباطل يقوم في غفلة الحقِّ أيقن أنّ الباطل إلى زوال، وأنّ الحقّ إلى ظهور وانتصار؛ يقول تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء/ 18).
ويقول تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ) (الرّعد/ 17).
وإذا أدركته الشيخوخة وكَبُرَ سِنُّه، أخذ يرجو حياةً أخرى فيها شبابٌ بلا هرم، وحياةٌ بلا موت، وسعادةٌ بلا شقاء؛ في (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (مريم/ 61-62).
الأمل إذاً: هو إكسير الحياة، ودافع نشاطها، ومخفِّف وَيْلاتها، وباعث البهجة والسرور فيها.
هكذا يكون صاحب الأمل:
الأمل والرّجاء يحوِّلان الإنسان إلى طاقةٍ خلّاقة، فيصير إنساناً مُبدعاً جديراً بإنسانيّته؛ لأنّه يرجو ربّه ويؤمن به (سبحانه وتعالى).
وصاحب الأمل إنسانٌ متوازنُ الشخصية، سَويٍّ النفس، لا يطغيه الغِنَى، ولا ينسيه الفقر، لا يستخِفُّه النصر، ولا تسحَقه الهزيمة، لا تبطره النّعمة، ولا تزلزله المصيبة، مطمئنّ القلب، راضي النفس، متفائل الروح، لا ييأس وإن سُدّت في وجهه الأبواب، وتقطّعت دون الأسباب، وهو موقنٌ بأنّ مع العسر يسراً، وأنّ بعد الليل فجراً، وبعد الضّيق فرجاً، وأنّه لا ييأس من روْح الله إلّا القومُ الكافرون، ولا يقنطُ من رحمة ربّه إلّا الضّالون.
وهو دائماً يشعر بأنّه مُكرّم من الله، مُفضّلٌ من لدنه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء/ 70).
فالإنسان الذي اتّصف بهذه الصفات وتشبّع بروح الأمل هو إنسانٌ متفائلٌ يرى نصر الله ويشعر به، أمّا المتشائم اليائس فلا يرى أمامه إلّا الهزيمة والخسران.
لأنّه صاحب همّةٍ عاليةٍ وإيجابيةٍ صادقة، ويعمل على تفريج وكشف هذه الهموم؛ وهو يتعامل مع المعوّقات والمصاعب كأسباب قوّةٍ؛ لأنّها تثيرُ مشاعرهُ وتدفعه إلى المزيد من العمل، باعتباره إيجابياً وصاحب أمل وثقةٍ في نصر الله؛ يقول تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران/ 173).
المصدر: كتاب صناعة الأمل