الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

الأسرة في تحدي العولمة



تُعتبر الأُسرة أحد مراكز الإشعاع التنويري والتوجيه الإرشادي لأفرادها، وهي أصغر مكون مؤسساتي جمعي داخل البنية المجتمعية وبإمكانها أن تلعب الدور الأكبر في مواجهة خطر العولمة وتتجاوز كذلك حالات الخلط الثقافي والتمايع الفكري الذي أخذ يتسع وينتشر في المحيط العام للمجتمع وذلك نتيجة الهزات القوية والضربات العنيفة التي تعرض لها.

فالأُسرة المتماسكة البناء، القوية الثوابت والأسس والقواعد لن تنجرف مع تيار العلومة ولن تنهار أمام السيول الجارفة!!

بل هي قادرة على المواجهة وإعلان حالة التأهب القصوى ودخول معركة التحدي الحقيقي لمزيد من الترابط والتماسك الأُسري وكذلك حالة الاستقرار والأمن التي تسود داخل وحدتها الهيكلية الداخلية.

من هنا!

“يمثل التماسك والاستقرار الأسري مرتكزاً أساسياً لأية عملية تخطيط علمي وشامل لمواجهة المشاكل والتحديات التي تعترض سبيل الأُسرة.

فالاهتمام بالأسرة والعمل على تعزيز قدراتها ورفع مكانتها والمحافظة على تماسكها واستقرارها يعتبر عاملاً أساسياً في حماية الأسرة من الأخطار الخارجية وفي تجاوز المشاكل وتخطي العقبات التي تعترض أفرادها في ظروف التغير الاجتماعي السريع.

فلكي تستطيع الأسرة القيام بواجباتها ووظائفها في المجالات المختلفة تربوياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وكذلك تأمين القدرة الكافية على مواجهة المشاكل والآثار السلبية التي أفرزتها التغيرات الجديدة في الأُسرة فإنّه يقتضي توجيه الاهتمام بالأُسرة ودعم تماسكها، فكلما تحسن وضع الأُسرة وارتفعت مكانتها وقوية علاقات أفرادها بحيث تكون أكثر انسجاماً وتماسكاً كلما استطاعت أن تقوم بأدوارها ومسؤولياتها في المواجهة، وفي حماية كيانها وأفرادها من عوامل الضعف والانكسار بنجاح واقتدار.

من هنا فإنّه ينبغي أن تولى قضية تحسين واقع الأسرة والنهوض بأوضاعها والمحافظة على تماسكها وقوة روابطها اهتماماً خاصاً من قبل الأفراد المنتسبين لها، وذلك من خلال الإجراءات التالية:

1- العمل على تحسين المناخ الأُسري، وحل المشكلات، وإزالة أسباب الخلاف والفرقة التي تعكر صفو الحياة الأُسرية.

2- تحقيق التفاهم والتقارب في وجهات النظر والتقبل المتبادل بين كلّ أعضاء الأُسرة بما يزيد من الوفاق والتماسك الأُسري.

3- توجيه العناية والاهتمام بتوثيق العلاقات والروابط الأُسرية، كالعلاقات بين الوالدين بعضهم البعض وبينهما وبين الأولاد والعلاقات بين الأولاد بعضهم البعض وبين الأُسرة والأقارب، وذلك عن طريق اللقاءات والزيارات والمحبة والمودّة والاحترام والتعاون والتكافل.

قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانً) (الإسراء/ 23).

وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) (لقمان/ 14).

وقال تعالى: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) (الأنفال/ 75).

وقال رسول الله (ص):

“لا تقطع رحمك وإن قطعك”.

4- السعي لرفع مستوى الأُسرة ثقافياً وتعليمياً حتى تستطيع أن تخوض معركة البقاء والتعايش مع التطوّرات المستجدة بثقة وجدارة.

5- تعزيز قيمة الحياة الأسرية وفهم جوانبها، والترغيب في إقامتها ورعايتها وتدعيمها والقيام بالواجب نحوها تربيةً وتوجيهاً وحماية.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم/ 6).

6- تقديم العون والمساعدة والدعم المادي والمعنوي للأفراد للتغلب على ما يواجههم من مشكلات في حياتهم خاصةً كبار السن والأحداث الجانحون ومن أصابتهم أزمات مادية أو نفسية أو اجتماعية.

7- العمل على تأسيس مجالس عامة للأُسرة تكون حلقة وصل ولقاء بين جميع أفراد الأُسرة، ويتم فيها طرح القضايا والمسائل المشتركة التي تخصهم، وتداول الرأي حولها بغية الوصول إلى لمّ الشمل وتوحيد الصف وتحقيق التوافق والترابط الأُسري.

الأسرة.. بين الصلاحيات والأدوار التربوية:

كما ينبغي على الوالدين في كنفهما الأُسري أن يتفقا على معايير السلوك وتحديد الصلاحيات والأدوار لكلّ منهما تفادياً للتصادم والتعارض في التوجيهات التي يوجهونها لأبنائهم والتعاليم، ويكون الأبناء ضحية قراراتهما الناتجة عن الانفعال والغضب والتعصب كلّ ذلك من أجل وحدة مراكز التوجيه ليشب الأبناء على قاعدة رصينة في احترامهما لكلّ من والديهم في جو من الدفء والحب والاحترام.

كما يجب عليهما أن يقوما بواجبهما التربوي كلاً في ساحته وموقعه، فللأب دوره وللأُم دورها لبناء أُسرة قوية متماسكة قوامها الاحترام ومراعاة الآداب في ظل عالم يفتقد إلى أبسط المعايير والآداب السلوكية والأخلاقية والاجتماعية.

من هنا..

“يجب على أعضاء الأسرة مراعاة الآداب بين أفرادها فعلى الكبير أن يعطف على الصغير، وعلى الصغير أن يقوم بإجلال الكبير وتوقيره.

فقد أُثر عن النبيّ (ص) أنّه قال في جملة وصاياه العامة: “فليعطف كبيركم على صغيركم وليوقر صغيركم كبيركم…”.

إنّ مراعاة هذه الآداب تخلق في داخل البيت جواً من الفضيلة والقيم الكريمة، وهي توجب تنمية السلوك الكامل في نفس الطفل، وتبعثه إلى الانطلاق في ميادين التعاون مع أُسرته ومجتمعه”.►

المصدر: كتاب المرأة في عصر التحوّلات الساخنة

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم