الأب هو السند الذي تعتمد عليه الأسرة في كثير من الأحيان، والأب هو الصديق الأول في حياة الأطفال، والمثال الأعلى في حياة الأولاد، وهو النموذج للصفات المرغوبة في زوج المستقبل بالنسبة إلى بناته، هو نهر الحنان الذي لا يجف، والعمود الفقري للأسرة، والذي يوفر وجوده الكثير من الحماية للأولاد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رضا الربُّ في رضا الوالدينِ، وسخطُهُ في سخطِهما))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنَّ شئتَ فأضِع ذلك البابَ أو احفَظْه)).
الأب يساعد زوجته في الاهتمام بأولادهما في تربيتهم وتعليمهم، وبناء الأخلاق الحسنة فيهم، يتحلى بسمات الأب المثالي، عندما يدخل السرور والبهجة على قلوب أسرته الصغيرة، ويحوِّل البكاء إلى ضحك، ويحرص على مفاجأتهم من وقت إلى آخر، حتى ولو بشيء بسيط.
يشعر الأبناء بحب واهتمام والدهم عندما يقوم بالإجابة على تساؤلاتهم باهتمام وعدم تذمر؛ وذلك لأن حب الأولاد لوالدهم يزداد بصورة أكبر وأكبر؛ فيشعرون بالسعادة لحصولهم على معلومة جديدة تساعد على نمو عقولهم.
لكن بالمقابل ابتُليت بعض الأسر بآباء حرموا أنفسهم لذة الاستمتاع بأولادهم، فأبدلوا الرحمة والرفق بقلب قاسٍ وظالم، بقلب لا يعرف العطف والحنان، لا يستطيع التحكم في انفعالاته، وعند حصول أي مشكلة، سواء في البيت أو في العمل أو حتى في الشارع – يصب غضبه على أولاده وأسرته صبًّا، هو سريع الغضب لا يرحم المخطئ، حتى ولو اعترف بخطئه، لا يسامح المسيء حتى ولو اعتذر، لا يترك أي خطأ صغيرًا كان أو كبيرًا دون نقد لاذع، لا يتوانى عن ضرب ابنه بعنف وقد يطرده من البيت إذا ما نقصت درجاته في مادة ما، بل ويضرب ابنته بالعصا والسوط، لو قصرت في أمر ما، مات ضميره، فهو لا يرحم صغيرًا ولا كبيرًا، ولا قريبًا ولا بعيدًا، إذا خالف أحد رأيه، قد يبتعد عن أولاده ويقاطعهم أيامًا وشهورًا، بل وسنين.
يا ألله على إنسان ضعيف مجبر على طاعة أبيه، وتحمل معاملته السيئة، إنه شعور رهيب، وأحاسيس متناقضة تجاه هذا الأب القاسي
فيا أيها المحروم، تذكر أن الدنيا تدور وتتغير، اليوم أنت قوي، وغدًا ستكون ضعيفًا، فلا تحمل نفسك ما لا تطيق، واعلم أن الراحمين يرحمهم الله، وأن من يرحم من في الأرض يرحمه من في السماء، وأولى الناس برحمتك هم أهل بيتك وولدك وزوجتك.
أيها المحروم، كيف تنتظر برًّا من أولاد لأب تهرب من مسؤولياته وواجباته، بل كان سببًا في تدمير مستقبلهم، بأي وجه يتقبلون أبًا حرمهم من حضنه وعطفه وحنانه، جعلهم يقاسون اليتم مع أب حاضر، لكنه ظالم وقاسٍ.
أيها المحروم من سعادة الأسرة والأولاد، إن كنت مريضًا بقسوة القلب، أو فيك اضطراب في شخصيتك، وتحتاج إلى المساعدة، فلا تتردد، وأعلنها اليوم أنك تريد تغيير نفسك قبل أن تخسر أولادك وأسرتك، وزوجتك ونفسك.
أخي أيها الأب الباحث عن السعادة، أدعوك:
إلى الإيمان بالله حقًّا، والإكثار من ذكره، والمحافظة على فرائضه وعباداته.
تذكر أن قدوتنا هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاقرأ سيرته، وتعلم منها هديه في تعامله مع زوجاته وبناته، ومع أصحابه والناس أجمعين.
تحلَّ بالأخلاق الحسنة، وجاهد نفسك بعلاج الأخلاق السيئة التي فيك، وتذكَّر الأجر العظيم من الله لمن التزم بالأخلاق الحسنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)).
اطلب المساعدة من صديق صالح، أو أخ حنون، أو مستشار متخصص مؤتمن، أو من طبيب حاذق، وادعُ الله دائمًا بالهداية لنفسك ولأسرتك ولأولادك.
احضر بعض الدورات والبرامج التدريبية التي تعلمك وتساعدك على فن التعامل مع الناس، وكيف تكسب أولادك، وكيف تصنع أولادًا مميزين وكيف تغير نفسك.
تذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ [رواه مسلم]، فهل أولادك سيدعون لك بالخير بعد الممات؟
اسأل نفسك كثيرًا لو أصابك مرض وأقعدك على فراشك أو كرسي متحرك، وصرت تحت رحمة أولادك، هل تحب أن يعاملوك بمثل معاملتك لهم الآن؟ أعد للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا.
أرجوك لا تتكاسل، وأعلنها من الآن، واذهب إليهم في الحال، وافتح بابًا جديدًا معهم، وغيِّر من نفسك وأسلوبك وتعاملك معهم، ولا تحرم نفسك لذة الاستمتاع بهم.