الأثنين 25 نوفمبر 2024 / 23-جمادى الأولى-1446

اضطرابات النوم عند الطفل



النوم يُعرَّف بأنّه حالة فسيولوجية يفتقد فيها الفرد الاستجابة الحسية والحركية مع البيئة الخارجية المحيطة به، ويتميز بحالة من الهدوء تشمل الجهاز العصبي والعضلات، ويصاحبه في العادة الرقاد وعدم الحركة.

والنوم إحدى الحاجات الفسيولوجية الأساسية لبقاء الإنسان على قيد الحياة، فكلّ إنسان بحاجة دائمة إلى النوم. وتتأكد أهميته من المدة التي يقضيها الفرد نائماً التي تصل إلى ربع أو ثلث يومه تقريباً، وما يناهز ثلث حياته. ولا يدرك المرء أهمية النوم إلّا إذا حُرم منه حتى ولو لليلة واحدة، فالنوم عملية نشطة ومعقدة وليس مجرد رقود، إنّما هو مرحلة صيانة للجسم وحماية للجهاز العصبي من الإنهاك ووسيلة لاستعادة النشاط وتحقيق التوازن العضوي الداخلي للفرد.

وأشارت الدراسات إلى أنّ عدد ساعات النوم المناسبة للفرد يحدد وفقاً للعمر الزمني، فالطفل حديث الولادة يحتاج إلى 18 ساعة من النوم. ومن عمر شهر إلى عام ما بين 14 و18 ساعة، ومن عمر عام إلى 3 أعوام ما بين 12 و15 ساعة، ومن عمر 3 إلى 5 أعوام ما بين 11 و13 ساعة، ومن عمر 5 إلى 12 عاماً ما بين 9 و11 ساعة. أما المراهقون، فيصل عدد ساعات نومهم إلى ما بين 9 و10 ساعات، في حين نجد أنّ عدد ساعات نوم الراشدين يتراوح من 7 إلى 8 ساعات. ويتناقص النوم تدريجياً مع التقدم في العمر.

ويقول البروفيسور الألماني يورغن تسولي إنّ النوم الهانئ يعتبر بمنزلة إكسير الصحّة والعافية ومفتاح التركيز والقدرة على بذل الجهد. ويشير عدد من نتائج الدراسات إلى أنّ الحرمان من النوم يرتبط بحدوث تغيرات فسيولوجية تؤدي إلى الإضرار بالجسم وتدميره والشعور بالتعب والإعياء وفقدان القدرة على التركيز واضطراب الحالة المزاجية، ويصاحب ذلك تغيرات في دقات القلب، كما يصبح تخطيط الدماغ غير منتظم، فقلة النوم تضاعف من خطر الموت المبكر بمعدل ثلاث مرات، وكذلك حدوث خلل في إفراز الهرمونات، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والإصابة بمرض السكري.

ويشير مصطلح “اضطرابات النوم” إلى أي حالة غير طبيعية تتصف بها دورة النوم، وتؤدي هذه الحالة إلى قلة النوم أو سوء نظامه لدى الفرد، وقد تكون اضطرابات النوم ضمن أعراض لأمراض نفسية وجسمية كثيرة، أو تكون مستقلة بذاتها. وسنعرض في الفقرات التالية مجموعة من أكثر اضطرابات النوم شيوعاً، وذلك على سبيل المثال لا الحصر:

الأرق Insomnia: هو أكثر اضطرابات النوم شيوعاً، ويشير إلى امتناع النوم الكافي عن الراغب في النوم، ويحدث لدى الإناث أكثر من الذكور، وهو يأتي بكيفيات مختلفة، منها صعوبة الدخول في النوم والاستفاقة المتكررة ليلاً أو الاستفاقة المبكرة قبل أن يأخذ الجسم كفايته من النوم وتعذر النوم بعدها، وغالباً ما يكون سبب الأرق نفسياً أو عقلياً أو جسمانياً أو نتيجة انشغال الفرد بمشكلات الحياة والضغوط.

النوم المفرط Hypersomnia: هو نقيض الأرق، وفيه تطول ساعات النوم إلى ما فوق الحد الأعلى من الطبيعي، ومن أهم مظاهره الميل إلى النوم المبكر عن المواعيد المعتادة للذهاب إلى النوم، وصعوبة الاستفاقة من النوم، والشعور بالتعب والإجهاد بعد الاستيقاظ. وقد يكون هذا الاضطراب راجعاً إلى الإصابة بالاكتئاب أو الحزن أو بسبب السمنة المفرطة.

اختناق النوم Sleep Apnea: يعد من الاضطرابات الخطيرة والمهددة لحياة الفرد، وسبب خطورته يتمثل في أنّ التنفس يتوقف أو يصبح سطحياً جدّاً أثناء النوم. وتكون وقفة التنفس لمدة تتراوح بين 10 و20 ثانية أو أكثر. وهذه الوقفة يمكن أن تحدث مرات عدة أثناء الليل، ولذلك يستفيق النائم مرات عدة للتنفس، لأنّه يشعر بالاختناق وليعوّض نقص الأكسجين لديه.

صرير الأسنان Bruxism: يعاني بعض الأفراد أثناء نومهم من نوبات متكررة من حالات صرير الأسنان، التي تنجم عن الحركة الانقباضية المتوالية لعضلات الفك، حيث يضغط الفرد على أسنانه محدثاً صوتاً كما لو كان يطحن شيئاً ما في فمه. والنائم عادة لا يحس بذلك، ويتابع نومه من دون استيقاظ، ولا يشعر بالألم إلّا عندما يستيقظ. وقد يسبب هذا الضغط على الأسنان تلفاً شديداً فيها ويؤدي إلى تآكل في مينا الأسنان. وهذه الحالة تحدث للذين يعانون حالات القلق المقترن بالغضب.

اضطراب فزع النوم Sleep Terror: هو نوبات من الفزع الشديد تحدث أثناء الثلث الأوّل من مراحل النوم، حيث يقوم الفرد من نومه جالساً ويصرخ، ويكون لديه شعور بالخوف وسرعة في التنفس وزيادة في معدل ضربات القلب والعرق، واتساع حدقة العين مع عدم الاستجابة لجهود الآخرين في محاولة السيطرة على هذا الفزع. ويتم نسيان النوبة كاملة في الصباح التالي.

شلل النوم Sleep Paralysis أو هلاوس النوم Hypnagogic Hallucinations: هو حالة مؤقتة من فقدان القدرة على الحركة أو الكلام لوهلة ويشعر المرء بأنّها تمرّ ببطء شديد، وتحدث والفرد بين النوم واليقظة، وفيها يحلم بصور كائنات مخيفة أو وهمية أو يسمع أصواتاً أو يحس إحساسات لمسية. ويشير من 20 إلى 60 في المئة من الأشخاص إلى أنّهم مروا بهذه الحالة أثناء النوم. وفيها يصحو الفرد بشكل مفاجئ، ويشعر بارتخاء شديد في جسمه. وهذه الحالة لا تعد مشكلة، فهي طبيعية رغم ندرتها. وقد يعتقد البعض أنّ هذا الحلم المزعج سببه “القرين”. وقد يلجأون إلى المشايخ لحل هذه المشكلة، ولكن يتم تفسيرها علمياً على أنّها انقلاب سريع من النوم الأوّل للنوم (الكلاسيكي الذي لا تصاحبه حركات العين السريعة)، إلى النوم الثاني (النوم السريع المتميز بحركات العين السريعة وتحدث أثناءه الأحلام).

علاج اضطرابات النوم:

إذا تكررت إحدى مشكلات النوم بمعدل أكثر من ثلاث مرات أسبوعياً، فمن الضروري اللجوء إلى الطبيب لتقويم المشكلة، لأنّه في كثير من الأحيان تكون مشكلة النوم ثانوية لأي أمراض أو اضطرابات أخرى. وفي ما يلي سوف نشير إلى مجموعة من الإجراءات العلاجية العامّة والمساعدة وإلى مجموعة من العلاجات النفسية:

أوّلاً: الإجراءات العلاجية العامّة والمساعدة:

– الابتعاد عن تناول الأدوية المنومة أو المهدئة، وينبغي عدم اللجوء إليها إلّا تحت إشراف الطبيب، مع التقيُّد والالتزام بالجرعات، وذلك لأنّها تسبب الخمول وضعف التركيز وقد تتفاعل مع أدوية أخرى في حالة وجود أي أمراض جسمية، بالإضافة إلى أنّ هذا الأمر قد يعزز من فرص الإدمان عليها.

– تهيئة مكان النوم، ويشمل ذلك تعديل درجة حرارة الغرفة وتهيئة فراش مناسب للجسم ووسائد مريحة للرأس وارتداء ملابس قطنية واستخدام أغطية للعينين، حيث يشير العلماء إلى أنّ النوم بمنزلة عودة وقتية لرحم الأُم، الأمر الذي يتضح في حرصنا على درجة من الدفء والظلام وانعدام المثيرات واتخاذ أبداننا من الأوضاع ما يقترب بها من وضع الجنين في رحم الأُم.

– تهيئة الجسم للنوم، ويشمل ذلك تثبيت مواعيد النوم والاستيقاظ، والابتعاد عن تناول الأشربة التي تحتوي على كافيين، والحرص على تناول الوجبات الخفيفة، والابتعاد عن الوجبات الدسمة، والامتناع عن تناول الطعام ليلاً، والتقليل من كميات السوائل، وأخذ حمام دافئ قبل النوم.

– ممارسة بعض السلوكيات المساعدة على النوم، ومنها التوقف عن التعامل مع الهواتف الذكية قبل النوم بفترة كافية، وعدم الذهاب إلى الفراش إلّا بعد الشعور بالنعاس، والاستماع إلى موسيقى هادئة أو القراءة، وعدم التدخين قبل النوم.

ثانياً: العلاجات النفسية:

نظراً لأنّ أغلب اضطرابات النوم المذكورة سابقاً قد تنشأ عن مجموعة من المشكلات النفسية والخبرات المحبطة والمشاعر السلبية، فإنّه في مثل هذه الحالات ينبغي أن يخضع الفرد لجلسات علاج نفسي للتعرف على هذه المشكلات والوقوف على أسبابها، ومن ثم زيادة الوعي بها ومساعدته في حلها، فكلّ ذلك يؤدي إلى تحسن شديد في هذه الاضطرابات. وتوجد مجموعة من الأساليب العلاجية يتم تدريب الفرد عليها، مثل الاسترخاء والتدريب على العائد الحيوي، وتدوين الأفكار السلبية التي تدور في ذهنه، وتدريبه على كيفية التخلص منها بطرق عديدة، وأخيراً يأتي أسلوب الإلهاء.

وختاماً، أود الإشارة إلى أنّ علاج اضطرابات النوم يختلف باختلاف طبيعة الاضطراب ودرجته وأسبابه، وهل يمثل الشكوى الوحيدة لدى الفرد، أم أنّه ناتج عن مرض جسمي أو نفسي أو عقلي، وما الظروف المحيطة بالفرد؟ إلى أي مدى تتوافر لديه أسرة داعمة؟

 

——————————-

المصدر: مجلة العربي/ العدد 680 لسنة 2015م

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم