إنه لا يرى إلا عيوبي.
د. خالد بن سعود الحليبي.
الجمال نعمة عظيمة من نعم الخلاق المبدع سبحانه، وقد وزعه تعالى على الكون من حولنا فنالت الجمادات منه ما تفجرت به الانهار، وما تلونت به الآفاق، وما تموجت به البحار، وما اكتست به المروج، بل نال الحيوان والطير والسمك ما يذهل الفؤاد، ويأخذ بالالباب، ولكن يظل الجمال الآدمي ارقى هذه الجماليات واكثرها اثارة للانسان.
ولذلك كان له قدر كبير من الاهتمام بقضية (الزواج)، فحينما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم اختيار الزوجة قال لأحد صحابته (انظر إليها فانه أحرى أن يؤدم بينكما). وحينما عدد صفات الزوجة الصالحة قال: (ألا اخبرك بخير ما يكنز المرء المرأة الصالحة اذا نظر اليها سرته.. الحديث).
والاصل ان كل امرأة خطبت وفق هذه السنة التي غربتها بعض العادات والتقاليد في بلادنا هي امرأة حسنة في نظر زوجها، لأنه اختارها بعد النظر اليها، وكل رجل في المقابل حسن في نظر زوجته، ولكن الذي نغص على كثير من البيوت السعيدة حياتهم، وكدر علاقاتهم، وغور ماء القناعة في انظارهم، فجعل احد الزوجين يقل في عين الآخر، هو النظر المحرم الى الآخرين،
يقول الله تعالى: (لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم) فبينما الزوج مقتنع بزوجته مهما كانت نسبة جمالها، يأنس بها، ويرتاح قلبه لها، اذا به يفسح لعينيه النظر، فيرى الممثلة الفلانية تستعرض عيونها الواسعة، وعدساتها الملونة، واجفانها المظللة، ورموشها الرائشة،
ورأى مقدمة البرامج المتبرجة في قناة ثانية وهي تستميل القلوب المريضة بصوتها المتكسر، وتحريك شفتيها الرقيقتين والتفاتة شعرها الاشقر، وتابع عارضة ازياء خليعة، بقوامها الممشوق، وملابسها البراقة، وجن وهو يذوب في صوت مطربة ما، تملأ بصوتها اجواء سيارته وغرفته،
فماذا بقي لهذه المرأة العفيفة التي تقبع الى جانبه، تنتظر اوامره ونواهيه، وتحرص على مواقع بصره وشمه وسمعه، فلا تريه الا اجمل ما رزقها الله، ولا يشم منها الا اعطر الروائح، ولا تسمعه الا احلى الكلام، وانقاه؟! ولكنه في المقابل لايعيرها اي اهتمام، بل ينظر اليها بازدراء، فيزدري نعمة الله عليه، وينتقص ام اولاده، ويتحسر انه لم يستطع ان يحصل على مثل هذه او تلك.
على ان ما يشاهده الناس في الفضائيات والمجلات الخليعة، ومواقع الانترنت على الشات وغرف الدعارة، جمال مزيف، لاحقيقة له، واذا كان حقيقيا، فان من يتذكر واقع هؤلاء المتبرجات ليأنف ان تقع عليهن عينه، فضلا عن ان يعجب بهن.
وبسبب هذا الانفتاح الخطير بات كثير من الزوجات يصرخن من الألم: (انه لا يرى الا عيوبي.. يتحسر امامي على انه لم يجد المرأة الجميلة التي كان يحلم بها.. ليس لديه اي تقدير لي.. اتجمل لزوجي ولكنه لايلتفت الى لبسي او طبخي وذبحني منه الصمت.. زوجي يضربني بمجرد الخطأ الذي يقع مني ولا يتفاهم معي.. واخيرا تقول احداهن: أنا اكره زوجي وأدعو عليه وانا لا اتجمل له، ولا اتزين له، فهل علي ذنب؟ وذلك لأنه يعذبني).
انها ليست قضية افراد وبيوت قليلة، بل هي كثيرة في المجتمع، تمثل قلقا وعذابات لاحصر لها، فان الزوجة اذا لم تكن هانئة سعيدة، فسوف تعدي المنزل بأكمله بنفسيتها الكئيبة.
وقد يقع العكس احيانا، بان تمد المرأة عينيها الى رجل آخر مهما كان صالحا أم طالحا، وتقارنه بزوجها، فيبدأ العد التنازلي في مستوى حبها له، حتى تصل الى الدرجة نفسها من عدم الرغبة الشديدة فيه، وربما انهدمت بيوت بسبب علاقة مشبوهة بدأت بنظرة على الانترنت او في السوق، والحوادث الواقعية اشهر من ان تذكر.
والسؤال الوارد هنا: لماذا لا نتعامل مع مزايا من حولنا كما نتعامل مع عيوبهم؟ (اذا كره منها خلقا رضي منها آخر)، بل لماذا لا ينظر احدنا الى عيوبه هو، وانه ليس كاملا، وكما ان زوجة صابرة على بعض عيوبه، فليصبر هو اذن على بعض عيوبها، ثم ان كثرة هذه الشكاوى لتؤكد الدور الخطير المنتظر من مشاريع الزواج ولجانه المنتشرة في ربوع بلادنا، قبل ان تصل هذه المشكلات الى الفصل النهائي في المحاكم، ومن ثم تحطم البنية الاساس للمجتمع وهي الاسرة.