بقلم د. مشعل عبدالعزيز الفلاحي
سيَظلُّ الرجل محتاجًا للمرأة، مشتاقًا إليها، أنيسًا بها، ولن تأتي اللحظة التي يُعلِن فيها أنَّه بدونها إنسان، وتظلُّ المرأة دفء المشاعر، ورحلة الرُّوح، وعالم القلب، وفي قول الله – تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، أسرار تلك اللَّهفة والرَّاحَة والسُّكون الذي يجِدُه الرجل حين يَأوِي إلى امرأة.
ولن تجد اليومَ بيتًا مُستقرًّا يَقُوم بدورِه ومسؤوليَّته وله نتاجٌ رائع إلا وتجد في وسطه امرأةً تُدِير شأنَه، وتصنع مستقبَلَه، وهي الورْدة التي تُزيِّن صدرَه وزاويتَه، وعلى العكس من ذلك فإنَّ البيوت الشَّعثة المضطرِبة التي يملأ فَضاءَها الخِصام والنِّزاع والشِّقاق هي بيوتٌ خاليةٌ من النِّساء حتى وإن وجدتْ فيها امرأة.
إنَّ الإثارة الحقيقيَّة في المرأة ليستْ حقيبةً تعلِّقها على كتفها، أو “مكياجًا” تذهب فيه أوقاتها، وليس كعبًا عاليًا تَضرِب به في الأرض، أو وردة حمراء في منديل مُرصَّع بالعطر تُغطِّيه بين ثدييها، ولا حتى في البرقع الذي تجهد في بنائه وتَتعَب في إعداده.. كلاَّ!
هذه مُثِيرات لجنس الرجل، لكنَّها مُثِيرات قصيرة النَّفَس، آنيَّة التأثير، تَضرِب على العاطِفة، وليس للعقل منها عند الرجل شيءٌ، قد تُصِيب المرأة من ذلك رِجالاً في الطريق، لكنَّها في النهاية تنتَهِي أحداثها المُثِيرة بالزواج؛ لأنها أولاً هي شكل وصورة وليست حقيقةً ومعنى، وثانيًا: هي ليست كل حاجة الرجل، وإنما بعضها، وبيت الزوجيَّة يَكشِف عن احتِياجاتٍ أخرى ومُتَطلَّبات كبرى، غالبًا ما تكون هذه المرأة ضحيَّة تلك الرؤية.
المرأة المُثِيرة بحقٍّ هي تلك المرأة التي تَعرِف أولويَّاتها، وتقوم بواجِبَاتها الشرعيَّة في أناقة رُوحيَّة رائعة، تتعبَّد لله – تعالى – وهي تعلم أنَّه إذا رَضِيَ عنها طابَ لها كلُّ شيءٍ في الأرض؛ إنْ نظرتَ إلى حِرصها على الصلاة وطريقة تعبُّدها فيها، رأيتَ امرأةً عظيمة، وإنْ تأمَّلت في النوافل من الصِّيام والبِرِّ والصدقة والصلاة والقراءة، شاهدتَ شيئًا تندَهِش نفسك منه.
المرأة المُثِيرة هي التي تَحكِي مجدَها وعِزَّها وأناقَتها ورُوحَها وجمالها من خِلال ذلك اللباس الساتر لجسدها، الفضفاض عن معانيها ورُوحِها، اللباس الذي يُعطِي صورةً عاجلة عن القِيَم والمبادئ والدين، قبلَ أن يُعطِي رسالةً عن الجمال بمعناه الحقيقي، وليست تلك التي تلبَس مخصرًا أو مزركشًا تُحاوِل بذلك أن تطيش إليها أنظار الرجال.
المرأة المُثِيرة هي المرأة التي يجد فيها زوجُها ليلةَ الزِّفاف وبعد سنين من الزِّفاف المشاعر الدافِئة، والقلب المُترَع بالأشواق وحنين الحب، يجد ذلك في كلِّ لحظةٍ يحتاج إليها، ويَراها كلها مجتمعةً في صورة أنثى تخطو في البيت كأنها ملكة قلب أو حنين مشاعر.
المرأة المُثِيرة هي المرأة القادِرة على إدارة شؤون بيتِها، وتلبية حاجات زوجِها، هي تلك المرأة التي تجد بيتَها كأعطر ما يكون نظافةً وريحًا، وحركة ونشاطًا، وكلُّ ذلك ممزوجٌ بكلمة “حب” ودفقة مشاعر وروح قلب.
وليست تلك المرأة التي تُعكِّر حياة زوجين وأسرة بضيفٍ غريبٍ دخيلٍ عليها “الخادمة”، ويجد الرجل وهو في بيته حَجْرًا على كلمته وتصرُّفاته، ويصبح وهو على أعطاف فراشه مُكبَّل عن كلِّ حركةٍ بريئة أو لحظة إنسان؛ بسبب الغريب القابع في زاوية البيت يَرصُد الأحداث ويَرقُب المشاهد، وتتفرَّغ هي بعد ذلك لصناعة الأندومي، أو قلي الفشار، أو أكل البطاطس بأشكالها!
المرأة المُثِيرة هي التي تجد في زحمة وقتها وقتًا للقراءة والاطِّلاع، فتنمي عقلَها؛ لتُشارِكك أنت أوَّلاً كزوجٍ في اهتِماماتك، وتُضِيف بهذه القراءة معنًى أرحب وأجمل في بيتها، وليس العلم الشائن الذي كَوَّن لنا “خيّة” وصديقة وحبيبة في بلاط المدارس، ثم خرج بعد ذلك خارج أسوار المدرسة يلبس نفس اللباس بذات الشكل من شَعر الرأس حتى شِراك الحِذاء، ويلتَقِي في ساعات الخلوات كلقاء الزوجين لا فرق!
المرأة المُثِيرة هي التي تُشارِك زوجَها همَّه ورسالته ومشروعه في الحياة، وتجهد لإسعاد زوجها، وحمْل الأثقال عن ظهره، وتضخُّ فيه روح الحياة للعمل من جديدٍ، كبنان بنت الطنطاوي – رحمه الله تعالى – لا فرقَ؛ فقد سُجِن زوجها عصام العطار، فذهبتْ إليه وقالتْ له من خلْف القضبان: “يا عصام، أنا والأولاد بخيرٍ وسلامةٍ، فلا تقلق علينا، كنْ قويًّا كما عرفتُك دائمًا ولا تُرِ هؤلاء الأنْذالَ من نفسك إلا قوَّة وصلابة واستعلاء الحق على الباطل”.
وفي إحدى رسائلها لم تنسَ تذكيرَه بدعوتِه، فها هي تقول له: “نحن لا نَحتاج منك لأيِّ شيءٍ خاصٍّ بنا، ولا نُطالِبك إلا بالموقف السليم الكريم الذي يُرضِي الله – عزَّ وجلَّ – وبمتابعة جِهادك الخالص في سبيل الله حيثما كنت وعلى أيِّ حال كنت، والله معك يا عصام، وما يكتبه الله لنا هو الخير”.
وعندما أُصِيب زوجها لم تتخلَّ عنه، ووقفتْ معه في محنته، وكانت تقول له: “لا تحزن يا عصام، إنَّك إنْ عجزتَ عن السَّير سرتَ بأقدامنا، وإنْ عجزتَ عن الكتابة كتبتَ بأيدينا، تابِع طريقَك الإسلامي المستقل المميَّز الذي شكَّلتَه وآمَنتَ به، فنحن معك على الدَّوام، نأكل معك – إن اضطرِرنا – الخبز اليابس، ونَنام معك تحت خيمة من الخيام”.
المرأة المُثِيرة هي امرأةٌ تَجِيش عاطفتها بالحبِّ لزوجها، وتصنَع له الجوَّ الذي يَنشُده في بيته، وتقف إلى جنبِه في إكمال مشروعه، وهي قبلَ ذلك وبعدَه امرأةٌ تعرف كيف تصنَع مستقبلها مع ربها – تبارك وتعالى – وفي حياتها التي تَعِيشها في الأرض