أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم المسلمين بتقوى الله عز وجل، فهي مفتاح السعادة وبريد النجاة والفوز بالنعيم المقيم
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام: “مطلب منشود وحاجة ملحة وغاية تركن إليها الخلائق على هذه البسيطة لعلمها وإدراكها بأن الحياة بدونها خداج، وهو مطلب شرعي ودنيوي ودولي ومحلي وأسري وسياسي واقتصادي وتربوي، إنه الاستقرار بكل ما تحمله هذه الكلمات من المعنى الكبير والمفصل المهم في تحديد المصير، حيث إن جميع شؤون الحياة مرهونة به وجوداً وعدماً. إنه الاستقرار الذي يعني الهدوء والثبوت والسكون والطمأنينة والتكامل والتوازن. إنه الاستقرار الذي يقابل الشغب والإخلال وإنه الانتظام الذي يقابل الفوضى والاستهتار“.
وأفاد فضيلته أنه بالاستقرار يسود الأمن، وبالأمن يؤدي المرء أمر دينه ودنياه بيسر وسهولة وطمأنينة بال، وأن الاستقرار نعمة كبرى يمن الله بها على عباده، في حين أن فقدانه بلاء وامتحان، ومن تأمل نعمة الاستقرار حق التأمل فسيرى بصفاء لبه أن هذه الضرورة يشترك فيها الأنس والجن والحيوان الأعجم. كل هذه المخلوقات تنشد الاستقرار ولا حياة هانئة لها بدونه.
فقد جاء النهي عن البول في الجحر لأنه من مساكن الجن. والبول فيه سبب في إيذائها، وأما الحيوان الأعجم فقد قال أبومسعود رضي الله عنه (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من فجع هذه بولديها؟ ردوا ولديها إليها.
وأضاف فضيلته يقول “أما أثر الاستقرار وحاجة بني الإنسان إليه، فقد جاء في كلمات يسيرات من فم صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه، حيث قال صلى الله عليه وسلم (من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، ولما كان الإسلام شرعة الله ومنهاجه وصبغته وفطرته التي فطر الناس عليها، وهو سبحانه أعلم بخلقه وبما يصلح لهم في حياتهم ودينهم ودنياهم وعاقبة أمرهم وآجلهم، فقد شرع لهم من الدين ما يكون سبباً للاستقرار، ولما كانت نظم المجتمع المختلفة سياسية واقتصادية ودينية وتربوية تشكل البناء الاجتماعي الذي يشبع احتياج المجتمعات دون تنغيص، فقد جعلت الشريعة الغراء الاستقرار مقياساً رئيساً في كل مشروع، ووجوده سبب في النجاح، وفقدانه فشل في السير الآمن في دروب الحياة، واختلال لكل مشروع مطروح، لأن الاستقرار هو التكامل والتوازن وحارس المسيرة، ولأن الأسرة مجتمع صغير فقد ظهرت عناية الإسلام بالاستقرار في رحابها، ورأب كل صدع يخل بمنظومة الأسرة التي هي لبنة من لبنات المجتمع الكامل، فقد حرص الإسلام على توطيد الاستقرار فيها وبذل الجهود في أن لا تخسره أي أسرة إلا في حالات الفشل الذريع، فقد قال الله عز وجل عن الزوجين (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً).
فإذا كان هذا هو موقف الإسلام في حق الأسرة الصغيرة، فما ظنكم بحق الأسرة الكبيرة التي هي المجتمع المسلم، المجتمع تحت لواء واحد وإمام واحد، ولا شك أن الأمر أشد والثلمة فيه أخطر من أي ثلمة، لأن في انعدام الاستقرار فيه انعداماً لقيمة الحياة الحقيقية، رب أسرة المجتمع الكبير هو قائدها وإمامها وولي أمرها الذي يرعى شؤونها بالعدل والحق والرحمة، ولأجل هذا جاءت شريعتنا الإسلامية سادة لكل ثغر يمكن أن ينغص هذا المفهوم أو أن يتسلل من خلاله لو إذا فقد، قال صلوات الله وسلامه عليه (من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه)، وما ذاك إلا حماية للمجتمع وتوطيداً للاستقرار لأن في قتل المزعزع وحده حياة، بيد أن الدعوة إلى الاستقرار لا تلغي تصحيح أي خطأ، كما أنها لا تقف حجر عثرة أمام السعي إلى الانتقال من الأمر الفاسد إلى الأمر الصالح أو من الأمر الصالح إلى الأمر الأصلح أو درء الأمر الفاسد بالأمر الصالح أو درء الفاسد بالأقل فساداً، فهذه هي أسس التصحيح الملائم لمبدأ الاستقرار“.
وقال: “إن الفوضى لا تثمر إلا تفككاً والشغب لا يلد إلا عنفاً واضطراباً، والسعي الهادي بلا التفات يوصل إلى المبتغى قبل السعي المشوب بالالتفات. إن المتلفت كثيراً لا يصل سريعاً، والالتفات لا يكون مادام الاستقرار هو المهيمن على مراحل العمل والمسير، قال تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين(.
وزاد فضيلته يقول “إن عالمنا اليوم عالم مفتوح يكثر فيه القول ويقل الفعل، وتتلاقح فيه المعلومات من كل صوب وفي كل اتجاه، وربما سارع الفضول لدى بعض الأغرار لينهل ثقافة ليست له ولا هي من لباسه، فكان مما تأثر به بعض مجتمعاتنا الإسلامية أن أخذ لبوس الأجنبي واغتر به دون أن يدرك حقيقة ملاءمته من عدمها، ودون أن يعرف الأسباب والدواعي لهذا اللبوس، فظن البعض منهم أنهم بحاجة إلى ثقافة أجنبية تتحدث عن سبيل الوصول إلى الاستقرار، من خلال ما يسمونه الفوضى الخلاقة أو ما يسمونه الفوضى البناءة، وهي خلق الفوضى المؤدية إلى الاضطراب لأجل أن ينشأ الاستقرار من جديد بحلة غير تلك، خربت بالفوضى الاضطراب ويزعمون أنها هي التي تولد الشجاعة والسلم، وما علم أولئك المغرورون أن مبدأ هذه النظرية إنما هو أساس الحادي يسمونه نظرية الانفجار الكوني، أي أن الكون كله خلق من الفوضى وأن الفوضى هي التي خلقت النظام في العالم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وإن الأسف ليشتد حينما يدرك بعض العقلاء أن ما يسمى بالفوضى الخلاقة إنما هو مصطلح استخدمه الغازي الأجنبي بحجة أن تغيير المجتمعات وتغيير حكوماتهم إنما يكون بإحداث الفوضى المفضية إلى التغيير. وإن مما يحمده كل غيور في هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين الشريفين أن مطارق الحاسدين والمتربصين إنما تضرب في صخر صلد لن تضره.
فإن اعتزازكم بالشريعة ورعاية الحرمين الشريفين يحولان -بإذن الله- دون أي تربص غاشم، فبقيت بحفظ الله وعنايته منيعة أمام التيارات والعواصف، ما يوجب الشكر للباري جل شأنه، ثم يؤكد أثر الرجوع إلى الله والتكاتف والاجتماع ونبذ الفرقة.
وقد مرت بلادنا بأزمات عضال كاد بها الكائدون، فأعانها الله على الخروج منها كما تخرج الشعرة من العجين، وهي تقاد بأوتاد وأطواد من أئمتها وقادتها، ومهما فقدت من أركانها فخلفه في دائرة المسؤولية صامد، وقد رزأت هذه البلاد في الأيام الماضية برحيل ولي عهدها وعضد ولي أمرها نايف بن عبدالعزيز بعد عمر حافل بالرعاية والعناية لأمن هذه البلاد، فرحم الله ولي العهد الراحل وأسكنه فسيح جناته ووفق خلفه لكل خير ونفع به وسدد على الخير خطاه. وإننا نبايعه على السمع والطاعة وحمى الله بلادنا من كل سوء ومكروه وحمى سائر بلاد المسلمين وأهليها من كيد الكائدين وعدوان المعتدين“.
وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ في خطبة الجمعة اليوم المسلمين بتقوى الله واجتناب المعاصي وقال “إن الدنيا مزرعة للآخرة، فالسعيد من زهد في هذه الدار وأشغل جوارحه بمراقبة العزيز الغفار، وألزم نفسه الاتعاظ والادكار، فالموفق في هذه الدنيا من تأهب لدار القرار وكان على حذر من سخط الجبار، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ الله حق تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون(“.
وتابع “أيها المسلم اسأل نفسك هل أعددت للموت عملاً صالحاً؟ أم شغلتك الدنيا عن المنية والإعداد للآخرة؟ فيا من تحب نفسك تذكر وقوفك بين يدي الرحمن وأنت تُسأل عن مظالم فلان وفلان، وعن ماذا عملت للاستجابة لأوامر العزيز المنان“.
وأضاف فضيلته “إن هذه الدنيا دار ممر وليست بدار قرار، قال تعالى (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ والآخرة خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فتيلاً(“.
وبين “أن الموفق في هذه الحياة هو من يسارع إلى طاعة ربه عز وجل، وإلى الاستجابة لأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الكيّس هو من تيقن تلك الحقيقة، فكان مغلباً لآخرته على دنياه، محكماً هواه بتقوى مولاه، وأن الفطن هو من حظي بتوفيق ربه فبادر قبل العوارض وسارع قبل الشواغل واستعد لدار القرار“.
وقال إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف “إن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من الانشغال عن يوم الحساب، حيث قال عليه السلام في الحديث الشريف )نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ(“.
ونبه الشيخ آل الشيخ إلى أن الدنيا هي دار يجب أن تعمر بكل ما يقرب إلى الله سبحانه ويجب على المسلم فيها أن يكون فائزاً برضا الله عز وجل، فبذلك يحصل الخير المطلق، وبفقدانه يحصل الشر المحقق والعياذ بالله، مستدلاً فضيلته بقوله تعالى (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر(.
وانتهى فضيلته إلى أن الخسارة تكون في تضييع الحياة في المشتهيات والملذات، وفي الإعراض عن العمل للدار الباقية، وأن الحياة التي فيها السعادة الحقيقية تكون لمن أصلح وأخلص، ويكون الشقاء الأكبر لمن أعرض عن الله سبحانه وأدبر، وأن السعادة تكون بالتمسك بالدين
________
مكة المكرمة – المدينة المنورة – واس