تواجه الأمة اليوم داءًا خطيرًا ، ووباءً مستشريًا ، يستهدف أهم شريحة فيها ، ويقصد عنصرًا حيويًا من عناصر سؤددها ونهوضها ، ومع هذا فإنه ليس داءاً جديدًا ، ولكنه وجد في هذا الزمن فرصًا أكثر للانتشار والسريان ، حتى بدأت بعض المجتمعات تتأقلم معه ، وتبرر له ذيوعه وتتشاغل عن أخطاره ، وتنسب آثاره الموبوءة إلى أسباب أخرى !!
إنه داء البطالة الذي سرى في دماء شبابنا ، يقتل فيهم همتهم ، ويستل منهم انتماءهم لدينهم وأمتهم ، ويقعدهم عن العطاء ، ويقنعهم بالكسل ، مصوّرًا لهم أنهم فريسة قلة فرص العمل ، وأن هذه هي أقدارهم فحسب .. وأن هذا هي أرزاقهم التي كُتبت لهم !!
ولعل من المجدي في حل هذه المشكلة ألا يترك الشباب العاطل عن العمل يخوض غمار هذه القضية لوحده ، مع قلة خبرته ، وكثرة المغريات حوله ، بل أن نعزز صلتنا بشبابنا ، ونقرب إليهم طريق العمل الشريف ونسهله لهم ، ونرشدهم إلى أول الطريق ، مشرفين على خطواتهم فيه ،
ولعلي هنا في هذه العجالة أضع معالم يسيرة ومحددة في ذلك :
أولاً : إقناع الشباب بشرف العمل ، وأنه من سنن الأنبياء والشرفاء ، فما من نبي إلا ورعى الغنم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم رزقه تحت رمحه ، وكان داودُ حدادًا ، وكان نوحٌ نجارًا ، وبالمقابل فإنه لابد من إقناعه أيضًا بدناءة البطالة والاتكال على الآخرين ،
ثانيًا : أمرهم بتقوى الله تعالى ، والتضرع إليه ، وسؤاله التوفيق والسداد ، في أن يدلهم على باب من أبواب الرزق ، لأن من { مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } .
ثالثًا : أن يؤمن الشباب بأن العمل الشريف عبادة ينال عليها الأجر والثواب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فإنه قال : ( لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ) رواه البخاري .
رابعًا : تذكيرهم بوجوب التوكل على الله في طلب الرزق ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح : ( لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) رواه أحمد وغيره .
سادسًا : أن لا يجعلوا أعين الناس مانعاً لهم من مزاولة أعمالهم التي تيسرت لهم ، فإن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة ، لكنها خطوة مشحونة بالعزم ، وصدق الإرادة .
تاسعًا : أن نقضي على أسباب انقطاع الشباب من العمل بعد الاتصال به ، وذلك بدعمهم نفسيًا وماديًا ، وألا نتركهم وحدهم بلا عون أو مساعدة .
عاشرًا : أن نحثهم على الإخلاص في أعمالهم ، والمثابرة فيها ، والأمانة في تحمل مسئوليتها ، والتميز في أدائها ، فإن الله يقول : { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } ، ويقول كذلك : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( إن الله يحب إذا عمل أحدنا عملاً أن يتقنه ) .