هل هناك أوقات من اليوم يُفضل فيها الشرب أكثر من غيرها؟
عموماً، يُنصح بشرب كوب كبير من الماء على الريق عند الاستيقاظ صباحاً. ويعود السبب إلى أنّ الجسم عند الاستيقاظ يكون في حاجة إلى الماء، لأنّه لم يزود به طوال الليل، أي نحو 8 ساعات، وهذه مدة طويلة لا يبقى فيها المرء عادة بلا شرب أثناء النهار. كما أنّ الجسم يتخلص عادة في الصباح من كمية كبيرة من الماء؛ البول الذي صنعه أثناء الليل. ومن ثمّ فإنّ تعويض هذه الخسارة أمر مستحب. كما أنّ شرب الماء عند الاستيقاظ يوقظ الجسم. إذ إنّ وصول الماء إلى الجهاز الهضمي يحرض في الواقع وظائف مختلفة.
أما فيما يتعلق بباقي النهار، فإنّه ينصح بالشرب في كلّ مرة نشعر فيها بالعطش شرط أن نشعر به، إذ إنهم قليلون، للأسف، الذين ينصتون إلى نداءات أجسامهم.
ولكن هل يجب علينا أن نشرب أثناء وجبات الطعام؟ الإجابة هنا موضع للجدل. يعارض بعضهم بشدة شرب الماء أثناء الوجبات، في حين ينصح به آخرون بحرارة. فما هو الإجابة الصحيحة؟
إنّ شرب الماء أثناء الوجبات أمر مبرر. إذ يسمح وارد الماء بتمييع الطعام الجاف وسهولة بلعه، وبالاستجابة إلى العطش الارتشاحي الذي يحصل تلقائياً مع تناول الوجبات. إنّه العطش الذي يطالب بوارد من الماء ليجنب الخلايا التخلي عن سوائلها لتمييع الدم الذي يزداد تركيزه مع قدوم المواد الغذائية في الوجبة. شرب الماء إذاً يفيد، لأنّه عند الشرب أثناء الوجبات نتجنب تجفاف الخلايا على المدى الطويل.
ولكن لابدّ من الانتباه على أن يبقى هذا العطش ضمن حدود معينة. فإذا كان معتدلاً، فإنّه عطش فيزيولوجي. وهو شعور يشعر به كلّ البشر من كلّ الأجناس والثقافات، وكذلك الحيوانات، ولكن الأشخاص الذين يشربون عادة كميات محدودة من السوائل تبدو حاجتهم إلى الماء شديدة أثناء تناولهم لوجباتهم. إذ يعوز أجسامهم الماء على نحو مزمن، وبالمقابل فإنّ حجم دمهم غير كافٍ ليتخلى عن جزء منه لإنتاج العصارات الهضمية (حتى 7 لترات في اليوم)، وليتجنب زيادة تركيزه عند وصول المواد الغذائية إليه القادمة من الأمعاء. لذا تصبح الحاجة إلى الماء كبيرة، ويعلن العطش عن نفسه بقوة، فيضطر المرء إلى شرب الكثير أثناء الوجبة.
وإذا تمت تلبية حاجة الجسم إلى الماء الناقص على نحو كامل، فلن ينتج عن ذلك إلا كمية كبيرة من الماء في الجهاز الهضمي تؤدي إلى سلبيات عديدة، فلن يتوقف الأمر عند صعوبة هضم العصارات الهضمية للمواد الغذائية الغارقة في الماء، إذ تفقد هذه العصارات تركيزها بسبب كثرة السوائل، وبالمقابل تخسر فعاليتها. وهكذا ستضطرب عمليات الهضم الطبيعية. ويزداد الأمر سوءاً عندما تكون هذه السوائل جعة وخمراً أو مشروبات غنية بالسكر. إنّ محتوى هذه المشروبات من الكحول والتانين والأحماض والسكر لها في الواقع دور مثبط للعصارات الهضمية.
وهكذا إذا كان شرب القليل من الماء أثناء الوجبة أمر مفيد، على خلاف شرب الكثير.
ماذا يمكن أن يفعل أولئك الذين يشربون الكثير أثناء الوجبات ليتجنبوا الاضطرابات الهضمية بسبب عاداتهم السيئة؟
يكمن الحل بكلّ بساطة في شرب الماء مقدماً، قبل وجبات الطعام، ليحصل الجسم على حاجاته منه. إنّ شرب الماء قبل نصف ساعة من الوجبة يكفي ليدخل الماء في مجرى الدم، وليكون في متناول الأجهزة الهضمية (لصنع العصارات الهضمية) والدم (ليتميع). وينصح شرب الماء قبل ثلاثين دقيقة قبل الوجبة. وهكذا سيحصل الجسم على جزء كبير من الماء الضروري له عند قدوم الوجبة. ومن ثمّ ستصبح كمية الماء المستهلكة أثناء الوجبة أقل بكثير.
كما أنّ شرب الكثير من الماء بعد الوجبات ليس بالأمر الجيِّد أيضاً. يفضل عدم شرب الكثير مباشرة بعد الوجبات حتى تجري عمليات الهضم على نحو جيِّد. إذ تستمر عمليات الهضم وسطياً ساعتين، وبالمقابل يُفضل عدم المبالغة في الشرب إلا بعد مرور هذه المدة.
بالطبع، هذه الإرشادات ليست إلا خطوط عامة. وتبقى النصيحة في شرب الماء في كلّ مرة نشعر فيها بالعطش نصيحة نافعة، ولكن من الجيِّد معرفة كيف يمكننا نقل اللحظات غير المناسبة حيوياً التي يعلن فيها العطش عن نفسه.
الكاتب: كريستوفر فازي/ ترجمة: د. لينة موفق
المصدر: كتاب الماء (مصدر حيوي لصحة جيدة أضرار التجفاف)