الأثنين 25 نوفمبر 2024 / 23-جمادى الأولى-1446

أهمية الضحك صحياً ونفسياً واجتماعياً



هل تسلم معي بأنّ الضحك ليس هزلاً وإنّما دليل عافية؟ أم أنّك تقول كما يقول البعض: الضحك بلا سبب من قلة الأدب! أكثر من باحث دلَّل على أهمية الضحك صحياً ونفسياً واجتماعياً إنّما في حدوده اللائقة طبعاً لقول أستاذ علم الاجتماع الأمريكي “غاري ألن” من جامعة “مينسوتا”: إنّ الضحك براعة يمكننا جميعنا اكتسابها لأنّها تأتي عفواً ولكن من الضروري تهذيبها. ولكن كيف يكون للضحك دوره وأهميته؟

– صحياً: عكف عدد كبير من الأطباء على التأثيرات النافعة للضحك ودوره في تخفيف الآلام فالدكتور “ريمون مودي في” يقول في كتابه: “ضحكة وراء ضحكة/ الأثر الشافي للفكاهة”: “بمرور الزمن أخذت أشعر بأنّ قدرة الإنسان على الضحك مؤشر دال على صحّته يوازي كلّ المؤشرات الأخرى التي يتفحصها الأطباء”. أما الدكتور “وليم فري” من جامعة “ستانفورد” الأمريكية فيرى بأنّ: “حين نضحك تنشط عضلاتنا، وبما أنّ التوتر العضلي يعظّم الوجع فإنّ عدداً من المصابين بالتهاب المفاصل وأمراض أخرى مؤلمة يفيدون كثيراً من جرعة ضحك” بالمناسبة هل تناولت جرعة منه اليوم؟ إن كان لا! ماذا تنتظر؟ قم إلى مرآتك وحدِّق بها ثم انظر النتيجة!

– نفسياً: تروي الطبيبة النفسية “آنيت غودهارت” قصة مريضة مصابة بقلق مزمن كيف خلصتها من هذه الحالة بواسطة الضحك المصطنع، عندما طلبت منها أن تدوِّن كلّ ما يزعجها على ورقة ثم تعيد قراءة ما كتبت شرط أن تعمد بعد ذكر كلّ أمر مزعج إلى إطلاق “قهقهة ما” فاستغربت المريضة مثل هذا الطلب لكنها فوجئت بعد قيامها بذلك كم كانت منشرحة ومسرورة بعدما أطلقت ضحكة عميقة من القلب لم تضحكها منذ زمن بعيد. وهذا ما يعنيه صاحب البرنامج التلفزيوني الأمريكي “بيل كوسبي” بقوله: إنّ الفكاهة تخفف وقع أسوأ الضربات التي تكيلها الحياة.

– اجتماعياً: يروي أستاذ جامعي أنّه ابتكر فكرة “مرحة” كي يبقى على تواصل مع أبنائه، وهي عبارة عن قصاصات لطرائف فكاهية يجمعها هو وأفراد أسرته ويضعونها في ملف خاص أسموه “يا للسخافة” وكم كانت دهشتهم عندما خبروا بالمزاح المشارك الوشائج الحقيقية القائمة بينهم. وبالمثل أيضاً فعلت إحدى الباحثات التي ودت نفسها تفتقد روح الدعابة والمرح خاصة مع زوجها وأطفالها لكثرة ضغوط العمل لديها، فقررت جمع العبارات المضحكة والرسوم الكاريكاتورية وكتابة القصائد الهزلية وشراء بطاقات معايدة ظريفة ثم تلصقها في أرجاء المنزل وذلك بهدف أن يحصل أولادها على جرعة ضحك يومياً.

لعلّ عمل هذا الأستاذ والباحثة مع أفراد عائلتهما، يفعله كثير من الأصحاب والأصدقاء أثناء سهراتهم ولقاءاتهم الاجتماعية، وأكثر من ذلك أصبحت “الطرائف” مؤخراً إحدى رسائل الهاتف النقال (الخلوي)، إذ بمجرد أن يتلقّى أحدهم عبارة غير مألوفة أو طرفة ما يبادر بإرسالها إلى صديق آخر، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ في بعض جوانبه على روح التواصل المرح والمناخ الاجتماعي الحميم الذي يربط الناس بعضهم البعض. فقد ذكر أحدهم: “إنّني أصر على مخالطة الأشخاص الذين يجدون متعة في الحياة والضحك، إذ أنّ استمتاعهم ينتقل كالعدوى إلى َمن حولهم” هل لديك صديق تستظرف حديثه، أم أنّك أنت الظريف؟ جيد لكلاكما.

بماذا يساهم المرح أيضاً؟

بعد عدة تجارب قام بها على أكثر من 3500 شخصاً من طبقات اجتماعية مختلفة لدراسة فعل الابتسامة وسحرها الاجتماعي، توصّل الباحث الأمريكي “أريكسون” إلى أنّ الشخص الدائم الابتسام هو أكثر الأشخاص جاذبية وقدرة على إقناع الناس كما إنّه أكثرهم ثقة بالنفس، في حين أنّ الأشخاص الذين لا يبتسمون إطلاقاً أو يبتسمون فقط في المناسبات هم أكثر الأشخاص شكوىً من القلق والصداع الدائم والتبرم. وبالسياق ذاته قرّر عالم نفس أميركي يدعى “بول أكمان” دراسة ملامح وجوه الناس في أكثر من موضع في حياتهم اليومية، فوجد أنّ هناك 18 نوعاً من الابتسام منها: الابتسامة البائسة، الابتسامة المصطنعة، المتردّدة والحائرة، الماكرة، الواثقة، الحالمة، وابتسامة الرضا، وابتسامة الإنعاش، وابتسامة الفرح. وغيرها. ثم تلقف باحث آخر يدعى “ريتشارد كوفنن” ما توصل إليه “أكمان” الذي بيّن ما يمكن أن تفعله ملامح وجوه الناس وما لحركات الوجوه من علاقة بالعواطف والمزاج إلى أن يقول: “حين يبتسم الناس ينشرون الشعور الطيب من حولهم بل يجعلون دائرة عملهم أكثر سعادة وراحة” مستشهداً -هذا الباحث- بما توصلت إليه دراسة قامت بها جامعة “نورث كارولينا” الأمريكية في هذا الإطار، وخلاصتها: أنّ موظفي البنوك مثلاً عندما يبتسمون لزبائنهم وينظرون إليهم بكلّ اهتمام، فذلك لا يسعد الزبائن فحسب وإنّما يخرجون وهم راضون.

هذا يعني أنّ تأثير ملامح وجوه الآخرين ينعكس على أمزجتنا ذلك أنّ العواطف ترسم تعابير وجوهنا، وتعابير الوجه بدورها تنتج عواطف. وللاستيضاح جرِّب المسألة التالية:

–         حاول أن تتصنّع العبوس والوجوم تجد الناس يبادرونك بالسؤال: ما بك؟ هل أنت منزعج من شيء؟ ما الذي يجعلك عاقد الحاجبين. (هنا يسألونك بشعور يتّسم بالجدية والتحفّظ).

–         ثم حاول أن تبتسم وتفرج أسارير وجهك، فيسألونك: علامَ تبتسم؟ ما سرّ انشراحك وسرورك اليوم؟ (هنا يسألونك بالشعور الذي يرونه لديك).

ولعلّ أحدنا لا يدرك مغزى الضحك والمرح كما أدركه الفكاهي الأمريكي “ويل روجز” عندما قال: “نحن هنا لوقت قصير فلنقطف بعض الضحكات” ولنضع في اعتبارنا دائماً أنّ الابتسام عنوان الرقة ودليل ذوق، فاجعل الابتسامة مرافقة لكلّ ما تقوم به، عند المصافحة أو عند اللقاء أو الوداع أو عند السؤال عن شيء أو عند تقديم الشكر أو عند طلب الخدمة أو إسداء النصيحة، حتى نقل الخبر غير السار مرفقاً بابتسامة رقيقة يريح نوعاً ما ويعبّر عن الاهتمام والود. ألم يقل الحديث الشريف: “كلّ معروف صدقة ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق” (أي مبتسم غير مغتم) وبالمثل أيضاً ورد في الكتاب المقدّس بأنّ “القلب الفرح يجعل الوجه طلقاً (…) والبهجة المتألقة في العينين تُفرح قلب الصديق، والخبر الطيب ينعش النفس”. لذلك ليكن وجهك بسّاماً وكلامك ليناً دائماً، تكون أحب إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة.►

المصدر: كتاب وصفة معنويات

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم