الجمعة 27 ديسمبر 2024 / 26-جمادى الآخرة-1446

أنا لن أستسلم



يؤمن بأن الحياة لا تنتهى إلا بخروج الروح من الجسد .. لذلك واصل حياته بصورة طبيعية بعد فقد بصره فى أثناء عمله بشركة كبرى، لم يستسلم لليأس الذى اخترق جسده فى لحظة ضعف، وساعده على ذلك وقوف شركته إلى جانبه وتشجيعه ومنحه الثقة من جديد، وتدرج فى عمله حتى أصبح مديرا لمشروع يحمل اسم «إرادة» أسسته الشركة.. إنه الشاب المجتهد أحمد فوزى.

يقول أحمد: أنا شاب عمرى 37 عاما، ولدت بالإسكندرية، وتخرجت فى جامعتها من كلية تجارة قسم اللغة الانجليزية فى عام 2001، وكان لى نشاطات خلال دراستى منها تنظيم الرحلات وتبادل الثقافات مع طلاب أجانب، وقد ساهم ذلك فى تطوير مهارتى الشخصية والتعامل مع مختلف الجنسيات والثقافات، وقد كان من أهم أحلامى أن أعمل فى شركة عالمية منذ تخرجى، ولكن لم انتظر حتى تأتى الفرصة فقد بدأت حياتى المهنية فى شركات صغيرة حتى اكتسب منها الخبرة العملية التى تجعلنى مناسبا للوظيفة التى أحلم بها، وبالفعل سنحت هذه الفرصة بعد عامين من تخرجى، وانضممت إلى كبرى الشركات العالمية التى تعمل فى مجال تصنيع وتوزيع منتجات العناية الشخصية والشاى، ومنذ ذلك الحين تم تدرجى فى وظائف حتى عام 2008، وفى ذلك العام رزقنى الله بابنتى الوحيدة، كل ما سبق هى حياة تقليدية لشاب مثل أى شاب مصرى أكرمه الله.

ويضيف: وفى عام 2009 بدأت ألاحظ عدم وضوح الرؤية لدي، وفى خلال شهور قصيرة جدا ازداد الأمر سوءا لدرجة عدم رؤية ابنتى وأهلى وزملائى، وعدم القدرة على إنجاز مهام عملى، ووصل الأمر إلى إحساس باليأس فى التعايش مع هذا الأمر الواقع.. ذهبت إلى أطباء كثيرين وقالوا لى إنه مرض نادر يصيب الإنسان فى الثلاثينيات من عمره وليس له علاج حتى الآن فى مصر أو خارجها.

تداركت فى هذه اللحظة أنه توجد أسرة أنا مسئول عنها، وأن الحياة لا تنتهى إلا بخروج الروح من الجسد، وقف بجانبى فى هذه الفترة العصيبة أسرتى الصغيرة زوجتى وأخوتى ووالدتى وأبى رحمه الله وأسرتى الكبيرة ـــ الشركة التى أعمل بها حتى الآن ـــ وأخص بالشكر مديرى المباشر فى هذا العمل وجميع زملائى من مديرى العام حتى أفراد الأمن، لقد كان من السهل على شركتى أن تتركنى دون عمل أو تجعلنى خارجها تماما، ولكن بتوفيق من الله أصبحت إنسانا يعمل بشكل طبيعى جدا فقد قامت الشركة بتحفيزى على تطوير مهاراتى لكى أتغلب على ابتلاء فقد البصر، فذهبت للتدريب بالقاهرة لدى أحد المراكز المتخصصة فى تدريب المكفوفين على برامج «قارئة الشاشة» التى جعلتنى استخدم الحاسب الآلى مثلى كمثل أى شخص طبيعى،

وبعد عودتى من هذا التدريب الذى استغرق شهرا كاملا بعيدا عن بيتى الكبير وهى الشركة التى أعمل بها، بدأت الحياة تعود إلى جسدى وبدأت اكتسب الثقة بالنفس مره أخرى، وبدأت الشركة تثق فيما يتم انجازه من خلالى، وقد قامت الشركة بعد أن وثقت بأن الكفيف يستطيع أن يعمل الكثير من مهام العمل بمكافأتي فقدمت لى أجمل هدية فى حياتى وهو المشروع الذى أديره ويعمل به مجموعة كبيرة من الناس الذين اختبرهم الله عز وجل بفقد البصر، وتقوم فكرة المشروع الذى يسمى «إرادة» على بيع منتجات الشركة لقطاع الصيدليات عن طريق الاتصال بالتليفون وتسجيل طلبات الشراء على الحاسب الآلى، علما بأن متلقى الاتصال لا يعلم بظروف من يتصل به من فريق (إرادة)، وبدأت هذه الفكرة من الإسكندرية لتعبر جميع محافظات مصر قريبا إن شاء الله.

ويختتم أحمد كلامه قائلا: إن الهدف من هذا المشروع يكمن فى أن متحدي الإعاقة يجب أن يستخدم مهارات كثيرة منها مهارات الحاسب الآلى واللغة الانجليزية وأهم من ذلك المهارات فى مجال البيع والرد على جميع اعتراضات العميل، لأن التنمية البشرية عبارة عن 30% تدريب وإصقال مهارات و70% الباقية هى اكتساب مهارات من العمل نفسه.. وأضع الآن أمامى كلمه قالها توماس إديسون ( أنا لم أفشل ولكنى اكتشفت عشرة آلاف طريق لن يؤدى إلى النجاح ) وأخيرا أدين لروح الفريق والتعاون التي تتميز بها شركتى كما أثمن الثقة التى وضعتها فى شخصى الضعيف ويقيني الثابت أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم