الأثنين 25 نوفمبر 2024 / 23-جمادى الأولى-1446

فلنجدد نشاطهم ونشاطنا



من المهم أن تدرك أنك قد تتحمل الضغوط من جراء المهمات الجسيمة التي توكل إليك، وقد تخسر صحتك بسبب إدمانك العمل، ولكني أجزم أنك ودون أدنى شك لا تقدر معاناة من حولك جراء انشغالك الدائم عنهم.


هل الحكومة السعودية تتمتع بإجازة نهاية الأسبوع؟

 

هذا ما أشك فيه، ففي الآونة الأخيرة لا أستطيع مجاراة الأخبار في حركة هذه الحكومة، بين استقبال واجتماع وقرار. وقيل إن مسؤولا كبيرا تسلم عمله منذ حوالى الشهر لا يجلس في مكتبه فهو إما في اجتماع مع مديرين ومسؤولين أو مع مستشارين أو يقوم بزيارات ميدانية.

 

 ومن هنا أعتقد أن التمتع بالإجازة وبشكل إلزامي مهم للغاية.. على الأقل بعد عمل مضن يستمر أشهرا، فالواحد منا بحاجة لتجديد قواه ليعود مجددا أكثر نشاطا وفعالية.

 


هناك من يدعي أنه في إجازة ولكن جهاز الكمبيوتر يحل محل المكتب والسكرتارية والاجتماعات، فلا يختلف حاله في بيته عن المكتب، فهو منشغل عن أهله، قد نعذر هذا المسؤول أو ذاك في انشغاله الدائم وقت الذروة، أي في مواسم معينة يشتد فيها الطلب على جهة عمله، ومن هنا أعذر الحكومة لو انشغلت حتى أثناء نوم أفرادها، فهي بحول الله وقوته في مرحلة حاسمة.. فالمواطن ينتظر الكثير من كل مسؤول.


لكن من واجب هؤلاء وأمثالهم من المخلصين وهم كثر في بلادنا جزاهم الله عنا خيرا، إعطاء أنفسهم وأسرهم ولو يوما واحدا في الأسبوع، وهنا أقول لهم دللوا زوجاتكم وأطفالكم، وبطبيعة الحال ضعوا الوالدين على رأس هذه القائمة، اجعلوهم يفرحون معكم وبكم ولو ليوم يخصص لهم أسبوعيا.


والغريب أن أبناءنا المبتعثين للدراسة في الخارج يفهمون بعد فترة من ابتعاثهم فكرة إجازة نهاية الأسبوع فيعمدون إلى التخطيط لها قبل إقبالها عليهم، إما بزيارة مناطق طبيعية أو زيارة للأصدقاء أو التسوق أو حتى الاسترخاء في المنزل.. وقلما تجدهم قابعين في المنزل دون تخطيط مسبق.. ولكن المؤلم أن بعضهم ما إن يعود إلى البلاد حتى يرجع إلى عادته القديمة من خلط الإجازة بالعمل، أو لتكون بلا حراك مسبق. فلا تجديد للنشاط ولا تغير للروتين
ودون شك قد يجد الواحد منا نفسه في حاجة للراحة، أو لنقل للخلوة والتأمل وهذا أيضا مفيد جدا، إذ بعد عراك طويل مع العمل قد يحتاج العقل والبدن إلى حالة من السكينة.. لكن من المهم ألا تصبح هذه الخلوة عادة مستديمة.

 


من المهم أن تدرك أنك قد تتحمل الضغط من جراء المهمات الجسيمة التي توكل إليك، وقد تخسر صحتك بسبب إدمانك العمل، ولكني أجزم أنك ودون أدنى شك لا تقدر معاناة من حولك ليس من جراء أعمالهم المنهكة لهم، بل من جراء انشغالك الدائم عنهم! هناك نقطة قد تكون مغيبة عنك وهي تتعلق بأحب الناس إليك.. أطفالك الذين تحبهم: كم دقيقة تخصصها لهم؟! كم دقيقة تسمع منهم وتتحدث معهم، كم دقيقة تمازحهم وتداعبهم، أم أن حالك معهم كالحاضر الغائب.. تجلس أمامهم في سكون عجيب!

 


الحقيقة المرة أني أعشق العمل ولا أستطيع إنكار ذلك، وكنت منذ فترة أكره الفراغ فلا أجلس إلا لأبحث عن عمل أنجزه، لكني في لحظة ما وجدت نفسي أنساق مع أسرتي بناتي وأبنائي.. لقد قررت أن أكون معهم لا أن يكونوا معي.. فبدأت أتقبل خططهم وأسير وفقها.. والنتيجة نشاط مضاعف وحالة نفسية مسترخية أشتاق لها دوما، بل إني في قسم الدراسات الإسلامية أمارس عملي بين خلية نحل، فنحن لا نرى بعضنا إلا في الممرات ذهابا للقاعات أو إيابا للمكاتب. وفي الآونة الأخيرة اجتمعنا للاحتفال بزميلة لنا، فكانت لحظات لم تتعدى نصف الساعة لكنها حملت معها جوا مفعما بالفرح والبهجة، قررنا بعدها تكرار التجربة ولو مرة في الشهر، بوجود مناسبة أو باختلاق واحدة.


ومن المفيد الإشارة إلى سياسات بعض المؤسسات الخاصة، فهي تفرض على الموظف أخذ إجازة بل والاستمتاع بها.. وهناك من يقدم للموظف نظير إنجازه المتميز مكافأة على شكل إجازة مدفوعة المصاريف ولو لنهاية الأسبوع.
قد تعتقد أن كلامي موجه فقط لفئات معينة في الدولة، لكني أعني هنا كل مسؤول، وفي كافة القطاعات، بل من الواجب أن أوجه كلامي لكل العاملين في المجال الأمني والسياسي والصحي وحتى الإعلامي منهم، فهؤلاء يعملون ليل نهار ودون كلل أو ملل، هؤلاء يستحقون منا الكثير من التقدير والإجلال.

 


فماذا أعددنا لأبنائنا، الأمر لا يعني بذل الكثير.. فالقليل من الترتيب ولو ليوم واحد خارج نطاق الروتين اليومي مفيد جدا، وسيترك خلفه أثرا إيجابيا على نفسيات أبنائنا وحماسهم.. فلنجدد نشاطهم ونشاطنا معهم، والله المستعان.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم