الخميس 19 سبتمبر 2024 / 16-ربيع الأول-1446

أعيدو دور الأحياء



نتيجة بحث الصور عن خالد الحليبي
كنت ألقب عددا من نساء حينا القديم (الكوت) في الأحساء بلقب (أمي)، فهذه أمي عائشة، وتلك أمي فاطمة، وهاتيك أمي لطيفة، وكل واحدة منهن من أسرة مختلفة عن أسرتي، وجميعهن صديقات جدتي وليس أمي التي أنجبتني (حفظها الله ورعاها) فقط، ولم يكن هذا اللقب مجاملا لهن، بل كنَّا نعيشه بكل عمقه الجليل، فلقد كانت أمي عائشة تبوح لي بحبها لي، وتتابعني في طلبات المدرسة، وربما أعلنت في الحي أن (خالدا) يحتاج لمجموعة من صناديق الكبريت الصغيرة؛ لأن معلم الفنية المبدع طلب مني ذلك لأبني بها ما تخيلته من (وسيلة نقل أسطورية) تمخر البحر وتطير في الجو وتسير في البر!! وأما أمي لطيفة فقد كانت تعاملني مثل ابنها عبدالعزيز الذي في عمري، وكثيرا ما أكون معه في بيتهم ألعب بآخر ما استجد من الألعاب، أو يأتي معي في بيتنا، فتحتفي به أمي كما تحتفي بي أمه، وأما جارتنا أمي فاطمة فقد كنت أحس باهتمامها وحنانها كما أستشعره من صديقتها جدتي -رحمها الله رحمة واسعة- وهو الشعور نفسه الذي يغمرني من عدد من كبار السن الذين كانوا يحفزونني كلما رأوني، ويسألون عني إذا افتقدوني، وكنت أحرص على سمتي الوقور وأنا أكبح جموح طفولتي وحراكي الذي جُبلتُ عليه في الطريق، وفي المسجد، وفي المدرسة كذلك، حيث كان المعلمون ومدير المدرسة كذلك من أصدقاء الوالد -حفظه الله وأسعده-

رقابة خارجية محفزة، ودعما نفسيا محسوسا، يدعم الرقابة والتربية داخل الأسرة، ويجعل الطفل واليافع تحت أعين مربيه، في جميع أحواله، فلا يجد له مجالا لتسيخ قدمه مع صديق سوء، ولا يستطيع أن يفلت من لحظات الانضباط، وفي الوقت نفسه يجد منهم جميعا التشجيع والإلهام، والتدريب على القيادة بتكاليف صغيرة تكبر كلما كبر، حتى يتسلم زمام الرجولة، فلا سبيل إلى التفريط في المسؤولية الشخصية، مثل: العبادة والتمسك بمنظومة القيم المجتمعية، والتفوق الدراسي، فالبشير يأتي من المدرسة إلى المنزل بالنتيجة ليأخذ (البشارة: مبلغ رمزي) من الأهل، والاتصال بالهاتف بين المدير والوالد يكمل المشهد لتحديد المستوى!!

واليوم.. (آهٍ من اليوم) هل نقنع أنفسنا بأن هذه الطقوس التربوية تلاشت لما حدث من التغير المجتمعي الهائل، وهل انتهى دور (الحي) وتلاشى إسهام مجتمع (المدرسة) في البناء التأسيسي لشخصية البنين والبنات، فبات الأول مجرد صناديق إسمنتية لا روح فيها، يكاد الجار لا يعرف فيها جاره، وتمركز الآخر حول الضخ المعلوماتي فقط؟!

الحقيقة أن (الحي) يمكن أن يعود إلى دوره بطرق وأساليب ومناشط تتناسب مع النسق المجتمعي الجديد، ويمكن أن يكون له تأثير أكثر جودة وخصوبة، من خلال ديوانية الحي، وملعب الحي، ومكتبة الحي، ونادي الحي، ومسجد الحي.

ويمكن أن يكون لكل جنس وعمر ما يناسبه من الأنشطة المحبوبة، وهنا تصنع الصداقات المأمونة، وتجري التربية في جداولها الرقراقة، فلا تمرد، ولا تنمر، ولا تذمر، بل قرة أعين في الدنيا والآخرة.

http://www.alyaum.com/article/4201186

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم