اعتقادي الجازم الذي أدين به لربي عز وجل بأن (الأسرة الآمنة) هي صمام الأمان لمجتمع آمن، ووطن مستقر، ومستقبل وضيء، وهو الذي يدفعني لاختيار هذا العنوان أو ما يتسلسل من صلبه لما يتيسر من ملتقيات ومحاضرات وبرامج تدريبية أو إعلامية، ومنها ملتقى (نرعاك.. أسرة مترابطة.. مجتمع آمن) الذي رعاه صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن فهد بن سلمان نائب أمير المنطقة الشرقية هذا الأسبوع، ويقيمه مركز سلطان بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية في الخبر (سايتك)، وهو الشعار الذي رفعته منذ أكثر من عشر سنوات جمعية التنمية الأسرية بالأحساء: (الأمن الأسري بوابة الأمن الوطني)، إنها الحقيقة التي يجب أن يعيها أفراد المجتمع كله، وبدون ذلك فإنها لن تتحقق كما ينبغي أن تتحقق في مجتمع لا ينبغي أن يُمس الأمنُ فيه أبدا، «أولم يروا أنا جعلنا حرما آمِنا ويُتخطفُ الناسُ مِن حولِهِم أفبِالباطِلِ يُؤمِنُون وبِنِعمةِ اللهِ يكفُرُون» [سورة العنكبوت 29/67].
حين نفرط في (قيمة) الأمان في داخل الأسرة، فإننا نفرط في القيمة ذاتها خارج إطارها لا محالة.
الأرقام لا تكذب، ففي سنة 2011م كان عدد بلاغات العنف الأسري في إدارة الحماية الاجتماعية 1115 حالة، ليرتفع إلى 8016 في سنة 2015م، وشملت حالات العنف الجسدي والنفسي والجنسي.
وفي 2004م سجلت جمعية حقوق الإنسان 37 حالة، بينما سجلت سنة 2013م 360 حالة عنف أسري، 112 حالة عنف ضد الأطفال.
وفي تقريره من 2011-2015م، رصد المجلس الصحي السعودي 1544 حادثة عنف ضد الأطفال تشمل الاعتداء عليهم أو إهمالهم، مما يشير إلى حجم هذه المشكلة، مبرزا أنماطها، وأسبابها، والسمات الخاصة للضحية والمعتدي، إلى جانب معرفة العواقب الجسدية والنفسية للإيذاء، بما فيها نسبة الإعاقات والوفيات.
اللافت في التقرير أن أكثر الإيذاء الذي تعرض له الأطفال كان بسبب الإهمال، ويمثل 45%، ثم الجسدي 35%، ثم الجنسي 14.2%، (من الحالات المبلغة) ثم النفسي 6.3%. وتفسيري لهذه الأرقام يتمثل في الآتي:
ازدادت حالات الإهمال، نظرا لازدياد حالات انشغال الأمهات أخيرا عن أطفالهن بسبب التقنيات الحديثة، والركض خلف مستجدات الأسواق الضخمة، والحفلات الباذخة، وإقبال المرأة على العمل- وهو من حقوقها- دون أن تؤمن طفلها لدى من يستحق أن يُؤمن جانبه تجاهه، في الوقت الذي يواصل الأب غيابه عن المنزل ليلا ونهارا.
وأما انخفاض حالات الإيذاء النفسي فلا تعود إلى حقيقة انخفاضها في الأسر، بل هي الأكثر بلا شك، ولكن الطفل يبقى يلوك مرارتها في نفسه داخل المنزل، ولا يبوح بها لأحد، نظرا لأنها صدرت من أحد والديه أو أقربائه، ولأن ثقافة فهم الاضطرابات النفسية ضئيلة في المجتمع، وأكثر الناس لا يعلم بأن ما أصاب الطفل هو اضطراب، فضلا عن أن يعلم بأن سببه الإيذاء الواقع عليه من أقربائه أو غيرهم.
ويبقى الإيذاء الجسدي اليومي الذي اعتاده الأطفال، كما اعتاده الوالدان للأسف الشديد بعيدا عن الإحصاء تماما.
لن نصل إلى أرقام دقيقة في العنف الأسري، نظرا للواقع الاجتماعي الذي نعيشه، ولكن يجب أن نعترف بوجوده، والحل ينصب على زيادة جرعات التوعية التثقيفية في هذا الاتجاه من كل المنابر الشرعية والإعلامية والتعليمية ومؤسسات المجتمع برمتها.