تشتت الانتباه عند الأطفال أساس للكثير من الاضطرابات السلوكية التي تنغص على الشخص حياته الاجتماعية والعملية والعلمية؛ والتي غالبًا ما تصاحب الطفل للباقي من عمره؛ وهي من الاضطرابات السلوكية التي انتشرت بشكل كبير بين الأطفال في وقتنا الحالي، فما هي أسباب الإصابة بذلك الخلل؟ وما هي الأعراض الدالة عليه؟ وكذلك كيف يمكن التعامل مع الطفل المصاب بتشتت الانتباه وفرط الحركة؟ كلها أسئلة سنحاول الإجابة عنها في سطورنا القادمة بشيءٍ من التفصيل.
تشتت الانتباه عند الأطفال (ADHD)
أو (Attention Deficit Disorder ‑ADD) وهو اضطراب عادةً ما تظهر أعراضه على الطفل قبل بلوغ الـ12 من عمره وتتفاوت حدتها من طفل إلى آخر تبعًا للعوامل الأساسية المسببة لذلك الاضطراب، وكذلك العوامل المؤثرة في سلوك الطفل وإدراكه؛ ومن الملاحظ ارتفاع نسب الإصابة به بين الذكور مقارنةً بالإناث، كما تختلف طبيعة الأعراض بين كلا الجنسين بشكل كبير، ويصيب ما يصل إلى 5% من الأفراد على مستوى العالم.
طبيعة ذلك الاضطراب
يمكن اعتبار ذلك الاضطراب السلوكي بمثابة تأخر في النمو العصبي للطفل؛ ولكن للأسف فإن جهل الكثير من الآباء والأمهات بطبيعة الاضطراب المصاب به طفلهم يجعلهم يسيئون إلى الطفل ويولد لديهم شعورًا بالغضب والحنق تجاه ما يصدر عن الصغير من سلوكيات العشوائية وغير متزنة، ما هي إلا أعراض تلقائية وعفوية لذلك النوع من الاضطراب؛ الأمر الذي يُنبئ بتفاقم المشكلة وتعقيدها؛ وتنقسم الإصابة بذلك الاضطراب بحسب الأعراض الناتجة عنه إلى:
الاضطراب الملحوظ من نقص الانتباه؛ وفيه يمتلك الطفل ما يزيد على 6 من أعراض تشتت الانتباه عند الأطفال.
اضطراب فرط النشاط والاندفاعية؛ وفيه يمتلك الطفل أكثر من 6 أعراض فرط الحركة عند الأطفال.
الاضطراب المركب من تشتت الانتباه وفرط الحركة؛ وفيه يمتلك الطفل 6 من أعراض تشتت الانتباه وفرط الحركة عند الأطفال.
أسباب تشتت الانتباه وفرط الحركة عند الأطفال
اسباب تشتت الانتباه عند الأطفال
تهتم الكثير من الأبحاث والدراسات العلمية بالبحث عن العوامل الأساسية المسببة لهذا النوع من الاضطراب السلوكي، والتي يصعب التعرف عليها في المراحل الأولى من عمر الطفل؛ وتركز معظمها على:
العوامل الوراثية والجينية والتي تمثل أكثر من 75% من حالات الإصابة.
تعرض الطفل في مرحلة الجنين إلى بعض أنواع السموم البيئية والملوثات وخاصةً مادة الرصاص.
الإصابة باضطرابات الغدد، وعلى رأسها فرط نشاط الغدة الدرقية.
تزيد احتمالية إصابة الطفل بتشتت الانتباه وفرط الحركة بين المواليد لأمهات مدخنات أو ممن تعاطين المخدرات والكحوليات أثناء الحمل والتي تعيق نمو الطفل وجهازه العصبي بشكل طبيعي.
التعرض لصدمة ما تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية للطفل؛ ومن ثم الإصابة بتشتت الانتباه وفرط الحركة.
أعراض تشتت الانتباه وفرط الحركة عند الأطفال
عند ملاحظة أي سلوك مفرط يظهر على الطفل يميل البعض إلى الحكم عليه بتشتت الانتباه وفرط الحركة وذلك لتشابه أعراضه بشكل كبير مع السلوك الطبيعي للأطفال في مراحل الطفولة المبكرة والتي تمتاز بحب اللعب والحركة الزائدة، ولكن لهذا الاضطراب ما يميزه من أعراض تختلف طبيعتها وتتفاوت حدتها بين الأطفال، وتظهر أعراض تشتت الانتباه بمجرد حاجة الطفل إلى التركيز على نشاط ذهني معين؛ ونذكر منها:
النسيان المتكرر بشكل كبير لأبسط المهام أو المعلومات الدراسية.
فقد الأدوات والممتلكات الخاصة بالطفل بشكل متكرر.
العشوائية وعدم القدرة على العمل في خطوات محددة ومنظمة؛ سواء عند تنفيذ مهمة معينة أو أداء واجب دراسي.
تشتت التركيز وعدم الانتباه إلى الحديث الموجه للطفل بشكل مباشر.
عدم الالتفات إلى التفاصيل المكونة للموقف؛ مما يوقعه في الكثير من المشاكل والإخفاقات.
عدم القدرة على تنفيذ التعليمات أو إنجاز المهمات متعددة المراحل.
الملل، والانتقال من نشاط إلى آخر بسرعة.
الهرب من بذل أي مجهود ذهني أو عصبي وخاصةً التي لا تستهوي الطفل.
سهولة الانشغال أو الالتهاء بأي مثير خارجي وانصراف الذهن إليه.
تفضيل الاستغراق في واقع افتراضي وأحلام اليقظة الخاصة به.
أعراض فرط الحركة عند الأطفال عمر سنة
منذ بداية العلامات التنموية لتطور الطفل والتي تبدأ معه من شهوره الأولى من العمر والتي تتمثل في قدرته على التحكم في أعضائه والتعبير عن مشاعره مع تعلمه السلوكيات المحيطة به بالمحاكاة والتقليد، يلتبس الوضع أحيانًا عند الوالدين في التفريق بين ما تتسم به هذه المرحلة من ضعف انتباه الصغير وكثرة حركته الطبيعية والناتجة عن صغر سنه، وبين أعراض فرط الانتباه والحركة المَرضية؛ لذا فمن الصعب الحكم على الطفل بكونه مصابا بفرط الحركة في تلك المرحلة.
أعراض فرط الحركة عند الأطفال عمر 3 سنوات (Hyperactivity)
هناك مجموعة من العلامات القوية؛ والتي يمكن ملاحظتها على الطفل من ذلك العمر وحتى وصوله إلى سن المدرسة ليتم وقتها الحكم بإصابته بذلك النوع من الاضطراب السلوكي، وقد تظهر أحيانًا أعراض فرط الحركة عند الأطفال عمر سنتين أو أقل قليلًا كإنذار مبكر للإصابة؛ وتتمثل في:
التسرع في الرد قبل الإنصات إلى الحديث بشكل كامل.
التحدث بسرعة والمبالغة في الكلام والوصف.
المعاناة من اضطرابات النوم والأرق لفترات طويلة.
اللعب بعدوانية وعشوائية مزعجة للمحيطين بالطفل، مما يزيد من وصفه بالمشاغب.
نفاد الصبر سريعًا وعدم تحمل الانتظار الطويل.
الحركة المبالغ فيها باستمرار؛ حتى وإن كانت الحركة في نفس المكان الجالس فيه.
تحريك اليد أو القدم في حركة منتظمة وتحمل الكثير من العصبية؛ مع صعوبة السيطرة عليها.
عدم القدرة على الجلوس في مكان واحد لبعض الوقت.
الميل إلى ألعاب الجري والتسلق والتي قد تعرضه للكثير من المخاطر.
حب الاستطلاع واستكشاف الأشياء من حوله.
أعراض فرط الحركة عند الأطفال وتأخر الكلام
تأخر الصغير في النطق أو صعوبة التعبير بالشكل الطبيعي للأطفال في سنه من الاضطرابات التي تقلق الكثيرين والتي يجب اللجوء فيها إلى الطبيب المختص للوقوف على طبيعة المشكلة ووضع خطة للتغلب عليها؛ فقد يكون سبب تلك المشكلة الإصابة بمرض عضوي بالجهاز العصبي للطفل، كما يرتبط ذلك الاضطراب بشكل كبير بتشتت الانتباه عند الأطفال وفرط الحركة؛ ومن الوسائل المساعدة في التخفيف من أعراضه:
اندماج الطفل مع غيره من الأطفال ليكتسب مهارات التحدث والتعبير.
حرص المحيطين به على التحدث إلى الطفل بلغة سليمة وبسيطة.
استخدام المعززات الإيجابية للسلوك والتي تشجع الطفل على التطور والتحسن.
اللجوء إلى أخصائي التخاطب لتحسين مهارة النطق السليم لدى الطفل.
عدم التركيز على أخطاء النطق أو تكراره للحروف والكلمات؛ حتى لا تتفاقم المشكلة، ويفقد الطفل الثقة في نفسه.
والجدير بالذكر أن تأخر الكلام بين الأطفال عرض مشترك بين عدد من الاضطرابات النفسية مثل التوحد، وكذلك الأمراض العضوية مثل الإصابة بالصمم أو أحد أمراض الجهاز العصبي؛ لذا يجب فحص الطفل طبيًا بدقة لتحديد سبب ذلك الخلل وعلاجه، للتخلص من صعوبات النطق وتأخر الكلام عند الأطفال.
مضاعفات تشتت الانتباه عند الأطفال
صعوبات التعلم والاضطرابات المزاجية الحادة والمتسمة بالعنف والانفعال من المضاعفات النفسية المزعجة والتي يزيد فرص الإصابة بها في حال ما كان الطفل يعاني من أعراض تشتت الانتباه وفرط الحركة عند الأطفال؛ هذا بالإضافة إلى اضطرابات الوسواس القهري والشعور الزائد بالقلق مع التعرض للإصابة بمتلازمة توريت وهي عبارة عن إصدار أصوات أو حركات منتظمة ومزعجة، كما يصبح الطفل أكثر عرضة للإصابات الجسدية الخطيرة وذلك طبقًا لما نشر عن مراكز مكافحة الأمراض واتقائها (CDC)
تشتت الانتباه وأثره على حياة الطفل المستقبلية
في حالة استمرار أعراض هذا الاضطراب لفترات متقدمة من حياة الطفل فقد يظهر لديه الكثير من المعوقات والمشاكل النفسية والحياتية والتي تظهر بشكل كبير في مرحلة المراهقة، وتتمثل في فشل الحياة الدراسية وصعوبات التواصل المجتمعي واللجوء إلى تعاطي المخدرات؛ لتتطور بعدها إلى الهرب من تحمل المسؤوليات والشعور الدائم بالذنب وجلد الذات، مع عدم القدرة على إنجاز مهام عمله وحياته اليومية.
علاج تشتت الانتباه وفرط الحركة عند الأطفال
يتركز علاج هذا الاضطراب على علاج الأعراض المرتبطة به والتخفيف من تأثيرها على حياة الطفل؛ حيث لم يوضع بروتوكول علاجي للقضاء على هذا الاضطراب بشكل نهائي حتى وقتنا هذا، فقد يفيد تناول بعض المكملات الغذائية الغنية بالأحماض الدهنية وعلى رأسها أوميجا 3 لتحسين نمو خلايا الدماغ والرفع من كفاءتها، هذا بجانب الجلسات النفسية والتي تحدد الأعراض البارزة للاضطراب وتعمل على التخفيف منها باستخدام العديد من الوسائل؛ ومنها:
الارتجاع العصبي (Neurofeedback)
وذلك بتسجيل الموجات الكهربية لدماغ الطفل أثناء محاولته التركيز على بعض الأنشطة الذهنية، ويعمل ذلك الأسلوب على تدريب الطفل على التحكم في ثبات موجاته الدماغية مما يعزز من قدرته على التركيز والتفكير من خلال عدد منتظم من الجلسات العلاجية التي تساعد على اكتساب الكثير من المهارات والقدرات الهامة.
اتباع نظام غذائي صحي
قائم على تجنب تناول المواد السكرية والمشروبات المنبهة من الكافيين بالإضافة إلى الأطعمة المسببة لرد الفعل التحسسي من الجسم وعلى رأسها البيض والقمح؛ ومن الوسائل المفيدة في السيطرة على الكثير من أعراض فرط الحركة عند الأطفال من عمر سنتين فأكبر؛ وذلك لارتباط هذه الأطعمة بزيادة نشاط الطفل وانعدام تركيزه.
الدقة والوضوح في تحديد المهام
وذلك بتحديد خطوات وأهداف واضحة للروتين اليومي والمهام المكلف بها الطفل، على أن يتسم ذلك بالمرونة واليسر، مع صبر الوالدين على السلوكيات المضطربة لطفلهم دون تذمر أو توبيخ، مع ضرورة التعاون والتواصل المستمر بين جميع أفراد الحلقة القريبة من الطفل بدايةً من الوالدين والمعلمين وحتى المختصين بعلاج حالته من مختصي العلاج النفسي والسلوكي لدى الأطفال.
تشخيص تشتت الانتباه وفرط الحركة
قد تحدث مجموعة من الأعراض المشابهة لأعراض فقد الانتباه وفرط النشاط بشكلٍ عارض في بعض المواقف الطارئة مثل سوء معاملة الطفل أو التعرض لأزمة عائلية معينة كانفصال الوالدين، وبحسب ما نشرته الأكاديمية الأمريكية لطب نفس الأطفال والمراهقين (AACAP) فإن للحكم على الطفل بالإصابة بذلك الاضطراب السلوكي المزعج يجب الالتزام ببعض الأسس والمعايير الثابتة التي تؤثر على جميع جوانب حياته؛ وهي:
استمرار ظهور أعراض الاضطراب لفترة زمنية طويلة لا تقل عن 6 أشهر.
ظهور الأعراض على الطفل في سن مبكر بما لا يزيد على 12 سنة.
التأثير السلبي لتلك الأعراض على جانبين من جوانب حياة الطفل؛ وملاحظتها بشكل مستمر، سواء بالمنزل أو فناء المدرسة أو التجمعات الاجتماعية؛ وكذلك في الفصل والمجتمع المحيط.
كيفية التعامل مع الطفل المصاب
يحتاج الطفل الذي يعاني من ذلك الاضطراب وتبعاته المزعجة إلى مجهود ودعم جبار من قِبل كل المحيطين به وعلى رأسهم الوالدين؛ فمن الممكن توجيه الطفل إلى استخدام قائمة مكتوبة للمهام المكلف بها كوسيلة ممتازة للتغلب على تشتت الانتباه والنسيان المستمر، هذا بجانب إزاحة كل ما من شأنه لفت انتباه الطفل وتشتيته أثناء قيامه بنشاط ما؛ هذا بالإضافة إلى:
تشجيع الطفل واستخدام معززات السلوك الإيجابي مثل المكافآت، والتي تستثير تركيز انتباهه لأداء مهامه بشكل أفضل.
ممارسة نوع من أنواع الرياضة المناسبة للطفل يكسبه المزيد من الثقة بالنفس مع تفريغ الطاقة الزائدة لديه.
عدم الجمع بين أكثر من مهمة أو نشاط في وقت واحد، والأفضل تقسيم المهمة الواحدة لعدد من الخطوات.
تمارين الاسترخاء واليوجا من أفضل الوسائل التي تعين الطفل على صفاء الذهن والتركيز.
احتضان الطفل وتقديم الدعم النفسي والمعنوي من أسرته؛ مما يؤهله لمواجهة تحديات مرضه بشكل أقوى.
في الختام فإن الإصابة بتشتت الانتباه عند الأطفال تجعل منهم فريسة للعديد من المشاكل النفسية والعضوية؛ لذا كان من الضروري على كلا الوالدين الانتباه لدى ظهور أيٍ من أعراضه منذ الشهور الأولى من عمر صغيرهم للوقوف على الطريقة المثلى للتعامل مع هذا الاضطراب ووقاية الطفل من تبعاته القاسية والمزعجة في القادم من حياته، والتي تقوده إلى تبني سلوكيات سلبية مثل تعاطي المخدرات، أو فقدان الثقة بالنفس، وعدم القدرة على التفاعل الإيجابي مع المحيطين به هذا بالإضافة إلى فشل التحصيل العلمي والدراسي؛ مما يوقعه فريسة للإحباط واليأس والفشل.