الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

أدب أطفالنا وأزمة الواقع



 

لفت انتباهي مقولة للكاتب الايرلندي (بيكيت) عندما سئل لم لا تكتب للأطفال ؟

فكانت إجابته ( لأنني لم أنضج بعد)

   وقد أحسن الكاتب الإجابة فمن المؤكد أن الكتابة، وكتابة القصة خاصة للأطفال مسألة غاية في الصعوبة والأهمية ،ومن يمارس الكتابة للأطفال لابد أن يتمتع بمعرفة واسعة للسمات المميزة للطفولة من جميع نواحي النمو العقلي والإنفعالي والحاجات النفسية التي يمكن إشباعها عن طريق القصة كالشعور بالأمن النفسي والعاطفي والعقدي…، وليست أبدا  الكتابة للطفل كما يظن الكثير من الكتاب و الآباء والذين يتهاونون في كتابة أو سرد قصص خيالية على الصغار مليئة بالأحداث المرعبة التي تترسب لدى هؤلاء الصغار فتظهر لنا شخصيات قلقة مترددة تميل إما للإنطواء والجبن وعدم الثقة بالنفس ،أو العكس إذ يظهر لدينا أشخاص عدوانيون يميلون للإنتقام والتخريب ،وما ذلك إلا انعكاس لتلك الخبرات الطفولية المرعبة التي مروا بها عن طريق سرد تلك القصص الخيالية الخرافية التي تجعل الطفل يتصورها حقيقة إذ لا يستطيع التمييز بين الواقع والخيال وتبقى تلك التهيؤات معه لفترات طويلة مؤثرة على علاقاته العامة والخاصة في مستقبل حياته.

   جرح لا يندمل ولا يلتئم اشعر به حيال تلك الأم التي تشعر بالإنتصار عندما تلاحظ صغيرها وقد نام أو رضخ لطلبها بعد روايتها له قصة مليئة بالأحداث المرعبة، وما علمت تلك المسكينة ما تجنيه على صغيرها الذي نام أو هدأ أنه إنما أطاعها نتيجة الوضع النفسي السيء والرهبة التي تسيطر عليه .. والعجيب أن نرى تلك الأم مع صغيرها بعد ذلك في عيادات طب الأطفال وهي تشتكي من أعراض التبول اللاإرادي الذي أصاب صغيرها… ولا أقول إلا تبا لذلك الجهل التربوي الذي يجعل غالبية الآباء والأمهات يطالعون وبحرص تلك الكتيبات الإرشادية لاستعمال جوالات صغارهم  أو الأجهزة الحديثة والتي كلفتهم الكثير ،ولا يفوتهم شراء شاشات الحماية لتلك الأجهزة التي دمرت وهدمت أكثر مما بنت، وشوهت أكثر مما زينت ، وفي الوقت نفسه يفوت هؤلاء الآباء مطالعة الكتب التربوية التي تثقفهم تربويا وترشدهم لكيفية التعامل تربويا مع فلذات أكبادهم ، وكيفية حماية تلك الأجيال الصغيرة والنشء القادم من التيارات الخطيرة والتغيرات السريعة التي يعيشها العالم الآن

   رسالتي لكم أيها الكتًاب لتلك الفئة الغالية_ والتي لا تقدر بثمن فهم ثروتنا الحقيقية وعدتنا وعتادنا بتوفيق الله_ عليكم بتقوى الله حين توجهون قصصكم وكتاباتكم لصغارنا فلا تنتظروا المردود المادي والشهرة على حسابهم ،ولا يفوتكم مراعاة معايير الجودة والدقة، والتعبير وحسن العرض، وجمال الصياغة والإخراج ،ومضمون الهدف ،وتذكروا دائما أن الكتابة عن قصة لعصفورة تدافع عن فراخها يترك في نفس الطفل ويغرس فيه من القيم وينمي فيه من المبادئ ما تعجز عنه الكثير من كلمات التوجيه المباشر والوعظ  والإرشاد ،وأن تلك القصة العقدية التي تروي للطفل  قصة حماية الملائكة بأمر الله لصغير تعرض لموقف مخيف كم تبعث في نفسه الإحساس بالأمان ،وأن ثمة من يحميه بإرادة الله ويرد عنه مصادر الخطر، وبالوقت ذاته تروي شغفه للخيال الذي يتوق له في هذه المرحلة العمرية بدلا من تلك القصص  التافهة والأفلام المدسوسة بالسم لتخريب عقيدة صغارنا وزعزعتها، وما أجمل تلك القصة التي تتحدث عن لطف الله  وتمجد الخالق وتحث على التدبر في مخلوقاته و تزيد الطفل يقيناً بعظمة الخالق وقدرته، فيزداد حباً لربه ويقيناً بعقيدته ،أو تلك القصة  التي تركز على علاقة نبينا صلى الله عليه وسلم بالصغار ومراعاته لأدق التفاصيل في حياتهم ، وما أكثر تلك المواقف القصصية في سيرته عليه الصلاة والسلام. وأما القصص عن أبطال أمتنا من الأشبال والكبار فكم لها من دور عظيم في طبع صغارنا بطابع العزة والاعتزاز بالقدوات المشرفة والاقتداء بها وخاصة في زمن أزمة القدوات

    و رسالتي لكم يا دور النشر والتسويق والتي ابتلي المسلمون بحفنة من الجشعين منهم وممن لا يحتسبون لله شيئا مما يعملون _ إلا من رحم ربي _  لاهم لهم إلا تلميع  ما يطرح لنا من مزابل الأمم الأخرى وخاصة تلك القصص المدبلجة الوثنية ومن يروج لهم من كتَاب لا دراية لهم في التربية ولا خبرة في خصائص الطفولة وأدبها لأجل الأرباح المادية ،بينما يهمل المبدعون، ويعزفون عن الكتابة الهادفة والإبداع لما يصيبهم من احباط ، حيث تموت كتاباتهم المبدعة قبل أن تصل إلى الطفل، فحذار مما ينتظركم وينتظر أجيالنا من أطماعكم وحرصكم ،واعلموا أنكم أمام الله موقوفون و مسؤولون، وعن تلك الأجيال محاسبون فكلما أهملنا الطفولة وشغلتنا الأطماع عن الدور المنوط بنا تجاهها كلما انمحت هويتها وتغربت عقولها واضطرب نموها ،وكلما أعطينا الطفولة أدباً هادفا أعطتنا روعة وجمالاً ومستقبلاً أفضل

    أما أنتم أيها الآباء  فالمسؤولية الكبرى تقع على عواتقكم  بالدرجة الأولى فينبغي لكم مراعاة نوعية القصص التي تقدم لأطفالكم سواء كانت سردا منكم أو مقروءة أو مرئية ،وأن تهتموا باختيار تلك القصص التي تغرس القيم وتنميها وتكوٍن اتجاه صغاركم  ،وتنمي أحاسيسهم المختلفة وتشبع حاجاتهم وتعالج مشاكلهم  وتربطهم بخالقهم ودينهم وتعزز هويتهم

 ولا يفوتني أن أذكركم بضرورة أن يكون لكم حصة كبيرة وجرعات مكثفة  من الثقافة التربوية سواء عن طريق قراءة الكتب التربوية الهادفة أو حضور الدورات للمدربين المعروفين بحرصهم على جيل الأمة وحسبكم أنكم مسؤولون فأعدوا للسؤال جوابا وللجواب صوابا وفقنا الله جميعا لما يحب ويرضى

________________.

كتبة : مؤمنة مصطفى الشلبي

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم