لا أخفي أنّ ما أغراني بها، قبل أن أراها، أنها تملك منزلاً وسيارة. وهذا ما قالته لي شقيقتي، زميلتها في هيئة التدريس في ثانوية البنات القريبة من بيتنا. إنّ أختي تتمنّى لي عروساً طيّبة وبنت ناس، ولا بأس إذا كانت على شيء من الثراء. فأنا متعلّم وابن ناس طيّبين أيضاً، لكنّ حصادي من المال قليل، بل شبه معدوم، لأنني لم أرث عن أبي ثروة، بل ديوناً وشركة منهارة وخمس شقيقات ينتظرن النصيب.
أوقفت الشركة على قدميها ثمّ بعتها وتفرّغت لتربية أخواتي وتزويجهنّ. وكنت سند والدتي الوحيد ورجل البيت منذ سن الثامنة عشرة. فلما أنهيت واجباتي التي كانت ثقيلة على هامَة شاب في مثل عمري، حان الوقت لأن ألتفت إلى نفسي وأسعى إلى العثور على بنت الحلال. وقد كانت سعاد هي تلك المرأة المناسبة لي. وقد تكفّلَت شقيقتي بتدبير لقاء بيننا، فأعجبتني وارتبطت بها من دون نقاش، إذ لم يكن وارداً أن أبحث عن ملكة جمال، ولا عن شابة في العشرين. لقد كانت مواصفاتها مثالية بالنسبة إلى رجل مثلي، يقترب من الأربعين، ويعيش على مرتّبه المتواضع، وليست له علاقات اجتماعية واسعة أو طموحات كبيرة.
أنا سعيدٌ بسُعاد، وأرى أنها سعيدة بي، تهتم بشؤوني وتطبخ لي وتُطعمني بيدها مثل طفل. وهي لم تتوقف عن رعايتي حتى بعد ولادة ابنتنا التي جاءت نسخة منّي. ماذا أريد أكثر من ذلك؟
كان يمكن للأمور أن تسير بيننا سمناً على عسل، لولا أنني اكتشفت بمحض الصُّدفة، عن طريق نسيب لي يعمل في أحد المصارف، أنّ لزوجتي حساباً سميناً لم تخبرني به. لقد كنت أعرف ممتلكاتها وأرصدتها كافة، إلّا هذا الرصيد. لماذا أخفته عنّي يا تُرى؟ وهل أنّ سُعاداً لا تثق فيَّ، أو تخشى أن أغدر بها وأسلبها أموالها وأتزوج عليها شابة في مَيْعَة الصِّبَا؟ حين فاتحتها في الأمر لم تنكر. لكنها لم تَرُدّ على سؤالي: “لماذا لم تُخبريني؟”.
خط دفاعي الأخير في الدنيا:
لم أشعر بسعيد غاضباً ومقهوراً ومُحْبَطاً وعاتباً عليَّ، مثلما شعرت به في ذلك المساء الذي عاد فيه من موعد مع قريب له، وسألني عن حساب لي في أحد مصارف المدينة. حساب لم اخبره به منذ أن تزوّجنا، واحتفظتُ به سرّاً لنفسي. لماذا؟ أنا نفسي لا أدري. فهذا الرجل هو كلّ دنياي، وابنتي منه هي أكبر نعمة أغُدَقت بها السماء عليَّ. وهو العريس الذي جاء في وقته، قبل أن أفقد آخر أمل لي في الزواج ومتعة الحياة المشتركة. فأنا، على الرغم من طيب أخلاقي وشهاداتي العالية التي أهّلتني لوظيفة محترمة، على حظ متواضع من الجمال. لكن سعيداً رأى فيَّ ما لم يَرَهُ الآخرون، ولم أشعر للحظة بأنّه قد ارتبط بي على طمع في ما أملك، بل أراد لنا النصيب أن نكون الواحد للآخَر، سعاد لسعيد، والحمد لله.
لم يكن زوجي ذا طبع مسيطر أو صوتٍ عالٍ. إنّه إنسان بسيط أسلمني قياده، وكان طفلي الذي أشتري له ثيابه، وأخطط له برامجه، وأقدِّم له المشورة الصائبة، وأطبخ له طعامه، وأضع اللقمة في فمه بيدي. وقد كنت سعيدة باعتماده عليَّ في كلِّ شيء، طالما أنّ نظام حياتنا سار من دون مشاحنات ولا مُنغِّصات تُذكَر. وقد رزقنا الله عزّ وجلَّ طفلة اكتملت معها سعادتنا. وكان الدخل الذي نحصل عليه من عملنا يكفينا، وإذا نقص شيء فلا بأس من أن أسحب من رصيدي وألبّي ما نحتاج إليه. إنّ احتياجاتنا قليلة، لأننا قانعون بالودّ القائم بيننا. لذلك، لا أدري لماذا احتفظت بمبلغ من إرثي في حساب منفصل، ولم أشأ أن يعرف زوجي به. إنّ الدنيا دوّارة، هذا ما أسمعه منذ وعيت على الحياة، ولعلّ ذلك الحساب كان خط دفاعي الأخير ضد مفاجآتها، لكنني لم أقصد أن أجرح زوجي، وحاشا أن أغضبه.