تعتبر الموهبة مجموعة من السمات الكامنة لدى الإنسان والتي تؤهله للقيام بمجموعة من المهارات بمستوى متميز وإبداعي يختلف عن أقرانه، ولهذه الموهبة أبعاد وراثية يكتسبها الشخص عن والديه، إلا أن للجانب البيئي دوراً هاماً جداً في صقل هذه الموهبة وتنميتها والنبش في ثناياها لإخراجها إلى السطح.
وعندما نقول “الشخص” نقصد به سواء كان معاقاً أو غير معاق، فهو يمتلك الموهبة والقدرات الإبداعية الكامنة بغض النظر عن جوانب القصور في قدراته الجسدية أو الحسية.
لا شك أن هناك علاقة قوية بين الإبداع والإعاقة، حيث أن ردة فعل الشخص المعاق نحو إعاقته تكون على شكل إحدى احتمالين:
الأول إما أن يأخذ بالتقوقع على الذات والهروب من المجتمع، واليأس، وبذلك تكون قد انتصرت الإعاقة عليه، وجعلته سلبياً لا حيلة له، غير قادر على اكتشاف الذات والتعرف على القدرات.
ومن أجل اكتشاف الموهبة عند المعاقين والتعرف عليها، والتي قد تكون أصعب من اكتشافها عند الأشخاص غير المعاقين، فإنه لا بد من تعريضهم للكثير من الخبرات وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن الذات في شتى المجالات الرياضية والفنية والأدبية، وملاحظة أي المجالات يبدعون فيها أكثر من أجل صقلها وتنميتها،
مع أن بدايات ظهور الموهبة قد تكون عبارة عن مجرد أفكار عشوائية سخيفة قد لا تلاقي استحساناً من الآخرين، الأمر الذي قد يعرضها وأصحابها للاستهزاء وبالتالي تدفن في مهدها ولا تظهر للسطح، وهو الأمر الذي يتطلب الصبر على الشخص المعاق حتى تتبلور إبداعاته بشكل يكون فيه قادراً على المنافسة مع الآخرين.
وللوالدين دولار كبير في الحفاظ على هذه الإبداعات وتنميتها، والاعتراف بأن الإبداع قد يكون في مجال واحد فقط أو أكثر وبالتالي فإن تحميل الطفل المعاق ما لا يحتمل وبناء توقعات عالية عليه، قد يؤدي إلى إحباطه، ناهيك عن أن الكمال غير موجود في الطبيعة البشرية التي لا بد أن تخطئ عدة مرات قبل أن تصيب وتتعلم من أخطائه،ا وتصل إلى مستوى العمل الإبداعي المتميز الذي تمخضت عنه التجربة والمحاولات المتعددة.
ومن أجل ضمان سير الإبداع عند الطفل المعاق بشكل متسلسل نحو القمة، لا بد من التعزيز المتواصل للأعمال الإبداعية مهما كانت قيمتها، وعرضها بصورتها الإيجابية على الآخرين، وإبداء الاهتمام بها، ويأتي ذلك عن طريق تبني هذه الأعمال من قبل المؤسسات الثقافية والتعليمية واحتضان المبدعين من المعاقين، حيث ينعكس هذا الاحتضان أولاً على المعاق نفسه، ويعطيه دافعاً قوياً نحو الاستمرار، وكذلك على المعاقين الآخرين الذين يتخذون زميلهم كنموذج إبداعي يحتذى به ويمكن الوصول على مستواه، وشطب المستحيل من قاموس الإعاقة التي تتحدى كل الإمكانات.
إن تقبل الشخص المعاق واحترام حقوقه، لهو السلوك المفتاحي من المجتمع أمام الطاقات الكامنة التي تظهر في ظل الظروف المجتمعية الإيجابية، إلا أن رفض المعاق والاستهزاء بقدراته لهو كفيل بإحباط الكثير من المواهب والطاقات الإبداعية، فدمج المعاق في مختلف مجالات المجتمع لهو كفيل بتفجر هذه الطاقات.
ويدور جدال في الأوساط التربوية مدى العلاقة بين أنواع الإعاقة وأشكال الإبداع، فالمعاقين سمعيًا قد يميل عمله الإبداعي نحو الجوانب التي تعتمد على الذاكرة البصرية نظراً لبراعتهم فيها، وبالتالي نرى براعتهم الفنية في الرسم والنحت والعمل على الحساب الآلي، وكل ما يدل على دقة الملاحظة والتمييز البصري،
وفي كل الحالات أن نحصر إعاقات معينة في إبداعات معينة دون غيرها، فقد تنتصر قوة الإرادة والموهية على القدرات الجسدية أو الحسية، لدرجة تبحث فيها الموهبة عن وسيلة تعويضية للتعبير عن إبداعاتها وبشتى السبل، فنرى المعاق مبتور اليدين الذي يعزف أو يرسم برجليه، عندما اختار الرجلين كوسيلة بديلة للتعبير عن موهبته الإبداعية التي كانت أقوى من كل القدرات الجسدية.
وفي النهاية فإن الإعاقة إذا ما سكنتها الموهبة، فإن التعبير عنها أمر لا يحده حدود ولا توقفه قدرات جسدية أو حسية، وذلك لا يتأتى إلا باحتضان هذه الموهبة وتشجيعها أولاً من قبل الأسرة، ومن ثم من قبل المؤسسات المجتمعية والتربوية والمجتمع بشكل عام عن طريق احتضانها وتبنيها، وهو أخد أهم أشكال الدمج المجتمعي للمعاقين.