الجمعة 27 ديسمبر 2024 / 26-جمادى الآخرة-1446

من صور الاختلاط في مجتمعنا .



من صور الاختلاط في مجتمعنا .

http://www.osarya.com/http://localhost/tanmya/wp-content/uploads/2011/12/thumbs_com_content_612_thumbs_250x150.jpg                                      د. خالد بن سعود الحليبي .

اتصل بي شاب يبدو من ملامح حديثه أنه حديث عهد بصلاح، وأنه من أسرة جذورها صالحة، بل كانت قدوة للناس في العلم والخلق والفضل والورع، ولكن الشاب تدفق عبر الأثير بعبرات الألم، وآهات القهر، إنه يشكو من ظلم ذوي القربى ..

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة  على المرء من وقع الحسام المهند

إنهم لم يبخلوا عليه بمال، ولم يردوه عن رغبة، بل أسبغوا عليه من النعم، وأضفوا على حياته مزيدا من الرفاهية ورغد العيش، وكل ما طلبوه منه: أن يكون مثلهم، ولكن في أي شئ؟

أن يقبل بالاختلاط المحرم بين الرجال والنساء، إنه ليس الاختلاط الذي قد يتبادر إلى الذهن في التعليم والعمل وقيادة المرأة للسيارات ومشاركتها في الأندية الرياضية الرجالية ونحو ذلك، فهو أمر سلم الله بلادنا منه ولله الحمد والمنة ، ثبتنا الله على هداه ، وكفانا والمسلمين الشرور والآثام .

ولكنه اختلاط من نوع آخر، أشد خطورة وخفاء، فعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت)) رواه البخاري. والحمو هو قريب الزوج أو الزوجة، حيث يؤمن دخوله على النساء لقرابته منها، وهو ليس من محارمها.

ومن ذلك كشف زوجات الإخوة وجوههن ونحورهن ورؤوسهن وربما أكثر من ذلك لإخوة الزوج، وقد يقع بين بعض أولاد الأعمام والعمات، وأولاد الأخوال والخالات، وربما أبت بعض الزوجات ذلك، فيتشدد في الإبقاء على هذه العادة الجاهلية بعض كبار السن من الآباء والأمهات بحجة جمع الشمل، وعدم التفرق في المجالس ،

ولكن ذلك لا يجوز قطعا، وأي إنسان يصرح بغير ذلك فقد شرع غير شرع الله عز وجل، ولا يجوز إطاعته حتى ولو كان أبا أو أما، يقول الله جل وعلا: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)} [سورة العنكبوت 29/8]، فإن عورات زوجات الإخوة أو زوجات الأعمام والأخوال ونحوهن حرام على إخوة أزواجهن أو أقاربهم من الرجال الأجانب عنهن كحرمة ذلك مع الرجال الأجانب بل أشد.

ويحتج بعض الناس بأن النيات سليمة ، وأن الشخص حين ينظر إلى زوجة شقيقه فإنه يعدها في مكانة شقيقته ، ونساء جيرانه يعدهن في مكانة محارمه اللاتي يحرم الزواج منهن ، وأنه يغار على عرض أخيه ، ولكن الواقع فيه من الحوادث ما تشيب له النواصي والقلوب .

وقد مرت بي من خلال الاستشارات مصائب وابتلاءات وقعت في بعض البيوتات التي استهانت بهذا الأمر، ما إذا تذكرته اضطربت نفسي ألما، وفر النوم من عيني ساعة سهادي، فقد مست أعراض، واختلطت مياه، وغص الجاني بجنايته، وتتابعت الحسرات بكسر ما لا يمكن أن يجبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وربما لم يعلم بذلك صاحب العرض نفسه.

وما ذلك كله إلا بسبب التهاون في أمر من أوامر الله تعالى، أراد عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يحفظ بها العرض والنسل والنسب والنفس.

ومن صور الاختلاط المحرم كذلك ما يسمى بسائق العائلة والنساء، حيث توسع الناس في ذلك، فعندما يستقدم السائق تكون النية أن يقوم بمهام لا تتعلق بالنساء ، وأنه لا ينقل النساء إلا مع محرم، وأنه لا يدخل البيت وإنما يبقى في بيته الصغير في ملحق المنزل، ثم تتوسع الأمور ، فيبدأ التساهل شيئا فشيئا ، حيث يبدأ الأمر بتوصيل النساء وهن في الخلف ومعهن طفل صغير لا تخرق به خلوة، ثم يتوسع أيضا فتذهب المرأة وحدها مع السائق بحجة قرب المكان ، والثقة الكبيرة في هذا السائق ..

واقلبي من هذه الثقة التي أعقبت حسرات لا يباح بها، أو بحجة الضرورة التي لا ضابط لها، أو بحجة الذهاب إلى أماكن مكشوفة من مدارس وأسواق ، ثم تجد المرأة والسائق أصبح بينهما من العلاقة ما لا يوجد مثلها بين الرجل وزوجته .. أقصد من حيث كثرة الحديث معه ، وإسقاط هيبة الحديث مع الأجنبي .

وكم من الحوادث الدامية وقعت بسبب تفريط الرجل في عرضه بحجة الثقة؟ يا رب عفوك!!

أوَ يُوثق في النار إذا جاورت الحطب ؟ أَوَ يثِق مسلم بخلوة محرمه مع أجنبي بعد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما). فالخلوة عامة في البيت والسيارة والسوق والمتجر ونحوه ، ومع ما يوجد من بعض النساء أو الرجال من الورع والخوف من الله وكراهية المعصية والخيانة فإن الشيطان يتدخل بينهما ويهون عليهما أمر الذنب ويفتح لهما أبواب الحيل فالبعد عن ذلك أحفظ وأسلم كما أفتى بذلك العلماء الأجلاء .

ومن صور الاختلاط ـ كذلك ـ خلوة الرجال بالخادمات والجلوس معهن؟ وكم سمعنا من حكايات غريبة في هذا المجال؛ كان منها أن اتصل بي أحد الشباب وأنا لا أعرف من هو ، وسألني ماذا يصنع مع الخادمة التي تدخل عليه غرفته وتغريه بنفسها حتى يواقعها ، وقد فعل ذلك مرات عديدة ، وهو يريد التوبة والتخلص منها .. وأما أبواه فهما في غطيط لا يدريان ماذا يحدث في بيتهما .. والثقة متورمة في الأولاد وفي الخادم سواء.

نعم كم من شاب وقع ضحية كلمة مائعة أو ضحكة فاجرة سمعها من هؤلاء اللاتي فسحنا لبعضهن في دورنا وبين أولادنا وبناتنا ونحن نظن فيهن خيرا.

ونوع آخر من الاختلاط المحرم ، حين يسمح بعضنا لبناتهم أو زوجاتهم بحضور حفلات أعراس يدخل فيها العريس مع عروسه إلى داخل مكان فيه نساء أجنبيات وبكامل زينتهن، وروائح العطور تفوح منهن. وقد يكون معه أقرباؤه. وقد يصور الحفل عن طريق الفيديو ، وقد ينشر الشريط بين الناس كما حدث ذلك من قبل .

ورغم هذا فبعضهم يعد الأمر عادياً جداً ، وقد يقول : هذا الأمر لا شيء فيه . لا شيء فيه . وإني والله لأراه منكرا عظيما، وخيانة كبرى من هذا الزوج وأهله لأعراض المسلمين الذين أتوا بأهلهم ليفرحوا مع أهله من أجله ، وأسأل الله أن يهدي الجميع للصواب ، إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الله يغار ، وإن المؤمن يغار )) فأين الغيرة يا أهل الغيرة ؟

وليس لنا أن نتبع الناس فيما يعتادون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ((لا يكن أحدكم إمعة ، إن أحسن الناس أحسن، وإن أساؤوا أساء ، ولكن ليوطن نفسه على أن يحسن إذا أحسنوا. وعلى أن يمسك عن الإساءة إذا أساؤوا )). نسأل الله أن يصلح البلاد والعباد.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم