الأثنين 30 ديسمبر 2024 / 29-جمادى الآخرة-1446

مقتطفات من المشكلات الأسرية



إعداد : ياسر بن مصطفى الشلبي

المشكلات الأسرية شر لابد منه: فالخلافات التي تعترض حياة كل زوجين أمر حتمي متأكد عبر الزمان والأوقات فلا يخلو بيت من مشكلة أسرية، وهذه سنة الحياة. ليس من العيب أن تحدث مشكلة داخل بيوتنا، إنما العيب في أن تستمر المشكلة أو تتكرر، أو أن نتعامل معها بشكل خاطئ ، أو أن تنقلب المشكلة إلى التشاجر والصراع على أمور تافهه ، فهذا ينذر بالخطر.  

– يقال المشكلات الأسرية ملح الحياة : فالملح لابد منه، لأن طعاماً لا ملح فيه لا يُذاق ولا يُطعم، لكن الشيء إن زاد عن حده انقلب ضده، فمن صب فوق الملح ملحاً ارتفع ضغطه وأفسد حياته الزوجية، ومن استخدم الملح كل حين حتى مع العسل فسد ذوقه وعكر أيامه حلوها ومرها وأصبحت كالبحر الميت لا حياة فيه، وحسن التصرف أن نضع الأمور في نصابها، ونزنها بميزانها، فنستخدم الملح لتطيب به الحياة لا لإفسادها، وكما أن الأطباء يوصون بالتقليل من الملح في الطعام قدر الإمكان فيوصى الزوجان بالتقليل من المشكلات الأسرية قدر الإمكان . 

– ليس منا من يحب المشاكل، فالجميع يهرب منها ويتحاشاها، ولكن الهروب من المشكلة يكون قبل وقوعها.. فإذا وقعت لابد من التعامل معها بحكمة، ولن يجدي الهرب بعد ذلك أبداً.

– المشكلات الأسرية تكبر وتصغر حسب نظرتنا إليها وطريقة تعاملنا معها، فمن تعامل مع المشكلة حسب حجمها وإطارها الطبيعي صغرت وتلاشت، ومن ضخمها أو صغرها زادت وتطورت .

– المشكلات الأسرية تحصل بين الأحبة؛ فإن تعاملوا معها برفق ورحمة تلاشت، وإن تعاملوا على أنها معركة لم يتحقق النصر إلا لعدو الأسرة إبليس فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ _ جنوده _ فَأَدْنَاهُمْ _ أقربهم _ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ، يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : مَا صَنَعْتَ شَيْئًا ، قَالَ : ثُمَّ يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ : فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ)) أخرجه مسلم .

– المشكلات الأسرية حي محطات لتصحيح مسار الأسرة، يجب أن لا نتوقف عندها إلا بقدر ما نعمل فيها على إصلاح الخلل، ومع المشكلات التي تستحق الوقوف، فلو توقفت حياتنا مع كل مشكلة فإننا لن نستطيع التقدم بهذه الحياة ولا تحقيق الأهداف منها فالخلافات ليس لها نهاية محددة فالبشر تختلف نفسياتهم ورغباتهم وتتنوع متطلباتهم ولكل منهم حاجة ومزاج يختلف عن غيره، وليس الذكر كالأنثى .

عندما تنمو أظفارنا..نقوم بقص الجزء الزائد منها ..ولانقطع أصابعنا..!وعندما يستطيل الشعر نقص الزائد منه، كذلك عندما تحصل مشكلة في بيوتنا ..يجب علينا أن نقطع المشكلة.. لا أن نقطع علاقاتنا، فالأسرة كالجسد الواحد وما زاد عنها وعكر صفوها فصل عنها للمحافظة عليها .

– المشكلات الأسرية البسيطة من أحد أسباب المحافظة على كيان الأسرة : فخير علاج للمشكلات الزوجية هو التعرف على أسبابها لتجنبها، والخلافات التي تواجه الزوجين في بداية معتركهما الأسرى تعتبر سببا رئيسا في زيادة التقارب والتفاهم بينهما، وذلك حينما يتعرف كل طرف عما يغضب ويكدر أو يفرح شريك حياته، ويتلمس طباعه ويتفهم نفسيته على أرض الواقع، ففي الأزمات يظهر معدن الإنسان .

– أقصر طريق لحل المشكلات الزوجية تأجيل حلها إلى أن تهدأ العاصفة، ثم الحوار الهادئ والتفاهم بود واحترام، وإعطاء الفرصة للطرف الآخر بتبرير موقفه، والاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، وعدم جعل المشكلات تتراكم بعضها فوق بعض .

– من فضله سبحانه وتعالى علينا أن وضع لنا منهجاً للتعامل مع المشكلات الأسرية مبيناً فيه مظاهرها وطرائق علاجها وحلها، ذكره في كتابه الكريم، وسنة نبيه r ، فلو امتثلنا ذلك المنهج سعدنا في الدنيا والآخرة .

– قدر الله تعالى أن تحصل العديد من المشكلات الأسرية في بيت النبوة، منها ما ذكر في القرآن، وما ما ذكر في كتب السنة، وما ذلك إلا لحكمة أرادها المولى عز وجل، وهي أن نتعلم منه r ونقتدي به في كيفية تعامله مع تلك المشكلات، متى نتغاضى، ومتى نوجه، ومتى نغضب لله ، ومتى نهجر، ومتى … ومتى .

– المشكلات الأسرية ليست شراً محض : فقد أورد أهل العلم والتخصص العديد من الفوائد للمشكلات الأسرية منها :

*تعويد الزوجين على سلوك الطريق السليم في علاج المشكلات المستقبلية، فالأسرة المتفائلة هي التي تجعل من مشكلاتها مجال تجربة وخبرة لاستثمارها والاستفادة منها في المستقبل .

*المشكلات الأسرية وسيلة لمراجعة النفس والتعرف على خطئاها قبل توجيه الاتهام للطرف الآخر، فيحاول إصلاحها وتعديل مسارها، وتصحيح المفاهيم والأفكار الخاطئة التي قد تكونت لديه ضد الطرف الآخر، وقد تكون المشكلة بذنب اقترفه صاحبها فيراجع علاقته مع ربه ويتوب ، قال الله تعالى :  ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ سورة الشورى : 30 .

قال أحد السلف : ” إني لأعصى الله فأجد ذالك في خلق زوجتي ودابتي “.

* المشكلات الأسرية امتحان من الله للعبد ومن أحد أسباب رفع درجاته ومضاعفة أجره، قال رسول الله r : ((مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ )) أخرجه البخاري .

أسأل الله تعالى أن يعمر بيوتنا بذكره، وان يرزقنا إتباع منهجه وسنة نبيه، وأن يسعدنا في الدنيا والآخرة .

 

إعداد : ياسر بن مصطفى الشلبي

المشرف العلمي على الاستشارات الالكترونية في بوابة المودة

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم