الجمعة 27 ديسمبر 2024 / 26-جمادى الآخرة-1446

ماما أين أبي ؟!



ماما أين أبي ؟!
http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQMz_hxEnSIoeKSM0_RQohuvSxZUFcJ9cQTw_tFPQHLnSJsI7v6YQ
                                                                     أ. ياسر بن أحمد الشجّار .

صرخت تشتكي من إزعاجها المتواصل لها وعنادها , وتصلب أرائها قالت لها: حبيبتي لا تفعلي هذا !! فلم تستجب .. وهي تصر أن تحملها وتبكي إن رفضت طلبها بل وتتشنج عليها.. حتى تكاد تنقطع أنفاسها .. فينكسر قلبها وتحملها .. ولكن تستمر رحلة عنائها معها , وإزعاجها بل وسلوكياتها السيئة التي تزيد بمرور الأيام وهي لا تعرف ماذا تصنع معها ؟! وماذا تفعل من أجلها؟! وكيف تتخلص من سلوكياتها المتفاقمة يوما بعد الآخر وتتساءل: لماذا هي تفعل ذلك ؟

أسئلة تتكرر على مثيلات هذه السيدة التي فقدت زوجها وباتت أرملة ومعها طفلة صغيرة تسألها كل يوم : ماما أين أبي ؟! وهي تجيبها : حبيبتي بابا مات.. وتسألها طفلتها : طيب ؛ قولي له يعود .. وتجيبها ودمعاتها على خدها تنهمر: ماما الذي يموت لا يعود..!! طيب ماما دعينا نذهب إليه أو اذهبي وأحضريه لنا, وأخبريه أني زعلانة منه !!..
ومازالت أسئلة الطفلة توجع أمها وتنزل كالسياط على جسمها وهي صامتة لا تجيب طفلتها ..؛حتى تنفعل ,وتصرخ عليها : كفاك جدلا وثرثرة .. وتضربها أحيانا .. والطفلة تبكي بشدة , وهي بائسة تبحث … ولكن عن ماذا تبحث؟!

أعزائي القراء الكرام:
أتعرفون عمن أتكلم عن (سنابل ) طفلة لم تتجاوز الخامسة من عمرها ؛ تتميز بالإبداع الفطري بدأت كلماتها المتقطعة تنطلق وعمرها ثمانية أشهر , ولكنها… عاشت يتيمة بين أحضان أمها الحائرة ,وترعرعت في بيت جدها لأبيها وكانت تفتقد الجو الذي يناسب قدراتها,ويناسب إبداعها الذي لم تعرف والدتها أن تتصرف معه إلا عندما لجأت لي فـ(سنابل) تعشق الحياة , وتكره القيود التي تحبسها عن الحرية والانطلاق في عالمها الطفولي الجميل بينما هي تبحث عن الاستقرار والحنان ؛ بل وعن نفسها بين أهلها , ومكانتها الاجتماعية , وتبحث عن أبيها الذي لم يسمع سوى تمتماتها ولعل الله أراد أن يفرحه بنطق طفلته مبكرا قبل أن يقبض روحه إليه.

عاشت سنابل حياتها في مملكتها التي صنعتها لنفسها , تحمل حزنها عبر مقطورات طفولتها المرحة , وتصارع الحياة ,ولكن شعورها بالوحدة جعلها تنقم على أمها وتبدأ بمعاقبتها بفرض سلوكياتها المتعكرة عليها , وإخضاعها تحت سلطان تمردها بإصدار الأوامر اللامباشرة عليها والمباشرة ؛ إما بالبكاء وإما بالتخريب وإما بإجبارها على حملها في كل وقت من أجل أن تشعر بوجود والدتها بقربها, ووالدتها أصبحت (الشماعة) التي تتعلق بها والأم تعيش لحظات اليأس والمعاناة من هذه الطفلة التي تصر على أن تعكر صفوها دائما , وتروع مضجعها , وسنابل لم تطلب سوى أن تشعرها والدتها بقربها ومجاورتها , وفي كل وقت تتأبى الأم عليها تزداد (سنابل) عنادا,وتبكي حتى تضربها والدتها , ولهذا أم سنابل طلبت مني المشورة؛ ماذا تصنع مع طفلتها التي تصر على حملها في المنزل وخارجه؟! ,والتي تتجاهل أوامرها؟ والتي ترفض أن تلبس حذاءها وتمشي به؟ والتي تعاندها صباح مساء ؟ وقالت أنها استخدمت معها جميع الوسائل التربوية ولكنها مع (سنابل ) تعتبر مؤقته لأنها لا تستجيب واستخدمت معها لوحة النجوم السلوكية كلما أصابت وأحسنت وضعت لها نجمة , وعندما ترفض وتعاند تضع لها خطأ وفي آخر الأسبوع تجمع نقاطها الايجابية وتمنحها جائزة وهذا باستمرار. طبعا فشلت بعد فترة هذه الطريقة أيضا مع (سنابل)لأنها مكافأة والمكافأة يفقد أثرها بعد فترة .

ولو تأملتم معي – أيها الأحبة – ستجدون بين السطور أن هذه الطفلة مبدعة ؛ فبعد فترة من المتابعة مع ( أم سنابل ) وهي تتشكى من سنابل سألتها : ما هي الجوانب الايجابية التي تمتلكها سنابل فقالت لي :” إن (سنابل) في الروضة طالبة مثالية وذكية وتسمع كلام معلماتها لكن معي بالعكس , في أوقات كثيرة أقول : لعل المشكلة كامنة لدي ليس فيها وأني لا أعرف التعامل معها بسبب عصبيتي ومشكلتي ليست العصبية بقدر ما هو وضع نفسي سيء ” .

إذن فسنابل اكتسبت العصبية والعناد من والدتها , والطفل بطبيعته يقلد والديه والرسائل اللامباشرة التي يطلقها الوالدان تصله مباشرة وبلا تردد سواء إيجابية أو سلبية .
فما كان مني إلا أن توجهت لأم سنابل بهذه الكلمات :

في البداية اسمحي لي أن أهنئك من قلبي أنك صارحت نفسك بشيء أحببت أن تكتشفيه بنفسك وأسأل الله أن يعينك على تربية طفلتك بالأسلوب الأمثل وبما ينفعها .
أحب أيضا أن أخبرك تصوري الآن عن طفلتك ( سنابل ) فكما توقعت كل ما تفعله طفلتك معك هو مخزون من السخط وعدم الرضا عن معاملتك الحقيقية معها فطفلتك تمتلك عواطف عميقة ومشاعر حميمة فهي تحب بعنف وطفلتك تفتقد اهتمامك المطلق وتستغربين لو قلت لك إن البنت يكون لها ميول كبير لوالدها لأنها تفتقد النصف الآخر من حياتها لأن الفطرة تحتم ميول كل جنس للآخر خاصة إن كان الجنس المماثل لا يستطيع إظهار اهتمامه .

وعموما أنت ذكرت أشياء عنك في تصوري وتجربتي لها الأثر الكبير في سلوكيات طفلتك لذلك – أيها الأحباب – سنابل وأمثالها من الأطفال لا يعاملون إلا كالآتي:
• لابد أن تملئوا فراغ أطفالكم بحبكم فقلوبكم كبيرة تسعهم وتقربوا منهم ولا تقولوا: (إن خلقكم ضيق وليس بوسعكم التفرغ لهم) لأننا نحتاج كما نربي أولادنا أن نربي أنفسنا باستمرار ونحاسبها و(أم سنابل )فعلت ذلك ووضعت أمامنا السبب والمسبب وأتمنى أن لا تحرموا أنفسكم شرف التجربة فتجربتكم ستضيف الشيء الكثير للناس (وإذا عُرف السبب بطل العجب ) .

• هذه النوعية من الأطفال يمتازون بذكاء كبير ولديهم اللمحة السريعة للأمور وسرعة البديهة بل و يمتلكون قلبا وعقلا واعيين جدا لذلك هم يصطنعون أحيانا السلوك السيئ , وما يعكر مزاجكم, وذلك عندما تدعونهم وتلهون عنهم , ومهما استخدمتم معهم من وسائل التحفيز فإنها تفشل وتصبح مؤقتة ؛ أتعرفون لماذا ؟! لأنها تفقد المتابعة الصادقة وأيضا عدم الاهتمام بمشاعرهم بالإضافة إلى أن هؤلاء الأطفال يحبون التغيير والإبداع في التعامل وأيضا المتابعة والأساليب التربوية لا تظهر نتائجها إلا بالمتابعة القريبة لا من أجل أن تبعدوهم عنكم فلابد أن تكونوا قريبين منهم ويشعروا بأنكم بجوارهم دائما وجددوا أساليبكم معهم من حين لآخر أعلم أنه صعب ولكن ليس مستحيلا عليكم وأنتم حريصون على أطفالكم .

• هل نعجزُ أن نقبل أطفالنا في اليوم والليلة صباح مساء؟! ونقول لهم هذه العبارة: ( أنا أحبك يافلان أو فلانة ياعمري,أو يا حبيبي أو حبيبتي …) ونحضنهم لصدورنا.

• هل جربنا أن نكون أصدقاء لأطفالنا؟! ,وأننا نحب ونرغب في الجلوس معهم ونريد اللعب معهم وأنه ليس لدينا سواهم ولا أحد يلعب معنا سواهم , ونحن نمسح على رؤوسهم ووجههم بلطف ونرسل لهم نظرة حب وحنان بابتسامة براقة.

• هل سمحنا لأطفالنا وأولادنا أن يشاركونا في وظائفنا اليومية سواء بصحبتهم لنا أو باستشارتهم في بعض مهماتن؟.

• أيضا أريد منكم أن تعودوا أطفالكم على أوامركم؛ لكن برفق بأن تأمروهم أن يجيئوا بالأشياء حتى يتعودوا أن يستجيبوا لأوامركم ولا تغفلوا عبارات الثناء والتقدير ( رائع حبيبتي …. طفلي مبدع اليوم وكل يوم… إلخ ).

• لنسأل أنفسنا: متى قطعنا من أوقاتنا لأطفالنا؟؛ وأعني أننا خصصنا لهم وقتا, وأخبرناهم بأننا نريد أن نتمشى معا في المنزل من وقت لآخر – حتى يتعود الطفل على المشي لوحده – ونحن نمسك بأيديهم ليشعروا معنا بالدفء والحنان.

• وأتمنى أن يرانا أولادنا دائما هادئين , نتعامل مع المشكلات بتأن وسعة صدر لأن الأطفال يكتسبون عادات وسلوكيات ذويهم مباشرة , فكيف نشكو من عنادهم؟! ونحن نعاد أمامهم , وكيف نطلب منهم عدم العصبية والصراخ ؟! ونحن نصرخ في وجوههم, ولنضع دائما أمام أعيننا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ووصيته للصحابي حينما قال له أوصني فقال له: ( لا تغضب ) وكرر ذلك ثلاثا. حتى نسعدَ أبد الدهر.

• أخيرا أقدم رسالتين الأولى/ لأم سنابل :لقد قدم الله لك هدية جميلة ( اسمها سنابل) واسمها يدل على أنها متعددة المهارات وتمتلك حسا مرهفا وأعلم أنها كثيرة الحركة ولكنها تسرُ كل أب وأم في المستقبل بإذن الله تعالى.

• والرسالة الثانية : لكل أب وأم يسرهم أن يرو أولادهم بأحسن صورة مشرقة بل وبأبهى شكل ومضمون يشرفهم ويرفع من رؤوسهم ؛فماعليكم إلا أن تصونوا رعاياكم وتحسنوا إليهم فأنتم مسئولون عنهم بلا شك إن أحسنوا وإن أساؤوا , فإحسانهم عائد عليكم بالخير والمثوبة في الدنيا والآخرة , وإساءتهم دليل على تقصيركم معهم ، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم 🙁 كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…) الحديث

وفق الله الجميع بما يحبه ويرضاه إنه سميع مجيب

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم