الخميس 26 ديسمبر 2024 / 25-جمادى الآخرة-1446

لن أسمح لرجل أن يهينني .



لن أسمح لرجل أن يهينني .

د. نهى عدنان قاطرجي

* * اجلسي .. أرجوك اهدئي ، لم أعد أحتمل مشيك المتواصل…

خائفة يا امرأة عمي…خائفة … هل يمكن ألا يطلقها…


* اجلسي ولا تخافي… ليست وحدها ، والدها معها ، ثم هو في المحكمة وهناك يوجد شرطة …

لا يستطيع أن يؤذيها اطمئني.
– أنا السبب … أنا السبب… أنا التي عرفتها عليه وشجعتها على الزواج به.

 


– انا السبب، ولكني لم أكن أعرف أنه سيء الخلق ، فهو يصلي وهو من عائلة معروفة ،

حتى أنه فرض عليها الحجاب … كانت كل مقومات الزوج الصالح موجودة لديه ، أليس كذلك؟

– ما بالك لا تجيبين… أعرف السبب ، لست مقتنعة من كلامي، تضعين اللوم عليّ ،

أعرف أنت مثل ابنك كل شيء تلومينني عليه ، أعرف ؟ … غير مهم،

المهم أن ننتهي من هذا الكابوس … يا رب استر… هاه ، ها قد وصلا… اسمع صوتهما …


فتحت أم ملك الباب وقالت بلهفة وهلع:


– ماذا حدث ، هل طلقها ؟


* طلقها … طلقها… قالها الأب وهو يهز رأسه بأسى ، وقال موجها كلاماً لزوجته :

افرحي يا أم ملك ، فابنتك أصبحت مطلقة بعد ثلاثة أشهر من زواجها …

افرحي، فلقد طلقت ابنتك وهي في العشرين من عمرها … افرحي وهللي.


– طبعاً أفرح، ألا يكفي العذاب الذي عانته … لقد كان يضربها ويهينها، أكنت ترضى أ

ن تعيش ابنتك تعيسة مع رجل لا يستحقها … ملك حبيبتي … لا تهتمي، غداً أزوجك بسيد سيده…

تعالي يا حبيبتي … تعالي…
أفلتت ملك من يد أمها، وركضت إلى غرفتها تبكي وتجر خيبتها وفشلها وراءها …

– ماذا ؟ لماذا تنظر إليّ بهذه الطريقة … وكأنني أنا السبب … ماذا فعلت؟
* لا شيء ؟ أنا الذي فعل … قالها الأب وهو يجلس بجوار أمه ، ويضع يده على ركبتها

ويقول : أليس كذلك يا أمي : أنا الذي فعل.
– ….
– أمك اليوم لا تريد أن تتكلم، هي على هذه الحالة منذ خرجتم من المنزل ،

هي مثلك تضع اللوم عليّ ، ولكن لماذا؟ ماذا فعلت ، أخبروني بالله عليكم؟


* دعي أمي وشأنها، أنا سأخبرك ، لقد استخدمت الفتاة وسيلة لتنتقمي مني، أنت دوماً تدفعين

الأولاد للثورة ضد كل ما أقول ؟ تدفعينهم إلى عصيان أوامري ، لقد قلت لك أنني سألت عن

هذا الشخص، وقلت لك أنه إنسان غير صالح، وأنه صاحب خلق سيء ، ولديه رفقاء سوء،

وهو يعاقر الخمرة ، إضافة إلى أنه كسول لا يحب العمل …

أخبرتك بكل هذا ، ولكنك أصررت عليه .. وليس هذا فحسب، بل كنت تأخذين ابنتك بيدك لمقابلته،

وكل هذا لماذا ؟ لأنه أخ رفيقتك، وأحببت إرضاءها؟ كل هذا لكي تعصي أوامري، ولكي تثبتي أنك

الآمرة والناهية في البيت ؟ وماذا كانت النتيجة ؟ تعلقت الفتاة بالشاب،

ولم تعد تنفع أية وسيلة في منعها عن لقائه ؟ وحصل ما حصل .


– …..


* ماذا أقول ؟ حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا ونعم الوكيل، ما شاء الله كان،

ولكن المهم الآن هو إصلاح ما انكسر، المهم أن تعتبري مما حصل، وألا تتخذيني عدواً لك،

علينا أن نزيد من اهتمامنا بمَلك، هي الآن تمر بمرحلة صعبة، علينا احتوائها حتى لا يجرنا

هذا الأمر إلى مصيبة أكبر …
– سأذهب لأراها …

******

حسبنا الله ونعم الوكيل … حسبنا الله ونعم الوكيل ….


ردد الأب وهو يقلب كفيه يمنة ويسرة ، ثم التفت إلى أمه وقال :
– أرأيت ما حصل لنا يا أماه …

 
* لا تحزن يا بني ، عسى ان يكون ما حصل درساً للجميع ، أنت تضع اللوم على الأم

ولكن اسمح لي أن أحدثك بصراحة … فأنا لم أتكلم مع زوجتك، لأنها لن تتقبل كلامي،

ولأنني لا أضع اللوم عليها هي فقط، فالملام الأول حسب رأيي هو أنت …


– أنا ، يا أمي سامحك الله، وماذا عساي أفعل، وأنا منذ الصباح في العمل،

ولا أعود إلا في منتصف الليل… أكد وأسعى لتأمين عيشة كريمة لعائلتي ،

ما الذنب الذي اقترفته؟ ما هو ؟


* ذنوبك متعددة ، وأنا لست في موضع شماته من الوضع الذي صرت فيه، ولكني أشفق عليك،

وارثي لوضعك …. ذنبك الأول أنك لم تحسن اختيار الزوجة الصالحة، ولطالما حذرتك من الأمر،

ونبهتك لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي منها حديث ” تخيروا لنطفكم ”

وحديث ” تخطب المرأة لثلاث ، لدينها وجمالها وحسبها وعليكم بذات الدين تربت يداكم “،

كل هذه الأحاديث نبهتك إليها ولكنك كنت مبهوراً بزوجتك وبجمالها ، وماذا كانت النتيجة؟

لقد نشأ الأولاد في جو غير ايماني … يا بني، أولادك لا يعرفون شيئاً عن دينهم …

البعض منهم لا يحفظ حتى الفاتحة من القرآن الكريم … حتى ملك وضعت الحجاب لأن زوجها أمرها بذلك …



ثم ذنبك الثاني أنك لم تفهم معنى القوامة فهماً جيداً … انا لا ألوم زوجتك على تصرفها معك …

فلطالما أسأت إليها … ولطالما كنت تهينها وتضربها … فكان العقاب الإلهي

أن أرسل الله عز وجل من يهين ابنتك ويذلها، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

القائل : ” مثلما تدين تدان ” … أنت فهمت الزواج فهماً خاطئاً، فهمته قسوة وعنف …

بينما هو في الحقيقة عطف ومحبة … وسكن ومودة … لذلك أنا لا ألوم زوجتك ،

فلقد كانت تحاول استمالة أولادكم إليها كي تنتقم منك …


ثم ذنبك أيضاً…. أنك قََصَرت واجبك على تأمين الرزق وجلب المال ، بينما ليس

بالخبز فقط يحيا الإنسان … ومهمة الأب والزوج لا تقتصر على تأمين المال ،


وإنما أيضاً تقع عليه مسؤولية تربية الأولاد، وتعليمهم شؤون دينهم،

فلو كانت ملك تتمتع بالحصانة الدينية لما وقعت في حبال هذا المحتال …

لذلك لا تلم زوجتك فقط يا بني… بل اعلم أن كلاكما مسؤول عما حصل مع ملك.


– أمي… يكفي… أنا لم أتصرف معها بهذه الطريقة إلا لأنها كانت دائماً تستفزني …

وتدفعني إلى إهانتها، حاولت كل الطرق معها … حاولت باللين واللطف، ولكنني

عندما كنت أفعل كانت تزداد شراسة …وتعتقد هذا اللطف ضعفاً …صدقيني يا أمي…

ثم إنها كانت تمنعني أن أوجه ابنائي توجيهاً دينياً ،

 

وتقول لي دوماً : لا أريد أن يصبح أولادي معقّدين … يكفي أن عائلتك ملتزمة …

دعني أربي أولادي كما أشاء والتفت أنت إلى عملك … حتى أولادي ما كانوا ليستمعوا إلى كلامي،

وكانوا يتحدثون إلي فقط عندما يحتاجون إلى المال … ماذا كنت لأفعل ؟ مــا …


أبي … أبي… أريد أن أخبرك شيئاً .


* ماذا تريدين يا ملك؟ توجه الأب بعطف إلى ابنته الواقفة أمامه ، وعلى عينيها بقايا دموع .
– اسمع يا أبي، منذ الصباح الباكر سأخرج لأبحث عن عمل، أنا لا أريد أن أبقى مسجونة

في البيت فترة العدة … ثم … ثم


* ولكن يا بنتي هذا أمر لا يجوز شرعاً … ثم ماذا … تكلمي.
– أنا سأنزع الحجاب … إذا كان كل المتدينين يضربون زوجاتهم ويسيئون إليهم،

فأنا لا أريد أن أتزوج بمتدين …..


* زوجك كان يتستر بالدين … الدين يا ابنتي لا يبيح هذه الأفعال …

فلا تجعلي زوجك مقياساً لكل المتدينين… فالمسلم لا ينبغي أن يفصل بين الدين والخلق .


– لن أسمح لرجل بعد اليوم أن يهينني … أنا ذاهبة عند صديقتي … يمكن أن أنام عندها … لا أدري ؟

سأتصل بكم … باي.
* ….

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم