السبت 21 ديسمبر 2024 / 20-جمادى الآخرة-1446

لماذا لا أتزوجها ؟



                                  لماذا لا أتزوجها ؟

                                                                                         أ.محمود القلعاوي.
 اضغط هنا لتكبير الصورة

بعدما أنهى سعيد دراسته أخذ في البحث عن وظيفة مناسبة لدراسته وتقديره المرتفع .. ولم يأخذ وقتا طويل في الحصول على الوظيفة فقد كان صاحب تقدير مرتفع في تخصص نادر .. وبعد قليل من الوقت أخذ سعيد يعيد العدة في التقدم لخطبة هبة التي تعلق قلبه بها من أيام الدراسة .. وكان وهو في طريقه إلى مقابلة والدها يرتب كلامه وحديثه بل وأفكاره وكيف أن الشقة موجودة والحمد لله .. وهو يعمل في شركة كبيرة براتب كبير .. وهو صاحب خلق رفيع .. ومن عائلة كبيرة يحسده الجميع على ما هو عليه .. كل هذا جعل سعيدا يرتب أموره على أن القبول مضمون والمسألة مسألة وقت فقط .. وكانت المفاجأة بل والطامة رفض والد هبة لطلبه بل وطلب إنهاء الحوار بشكل غير لائق .. وهنا أظلمت الدنيا في وجه سعيد .. فقد انهار حلمه بأن يتزوج هبة التي طالما تمنى أن يتزوجها ..

أخي القارئ إن ما حدث لسعيد قد يحدث لكل واحد فينا وإن اختلفت الأشكال والقوالب ..

قال تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) سورة البقرة : 216 .
يقول الإمام ابن القيم في كتابه الفوائد: (في هذه الآية عدة أسرار ومصالح للعبد، فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، والمحبوب قد يأتي بالمكروه، لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب، فإن الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد .. وأوجب له ذلك أموراً:

منها: أنه لا أنفع له من امتثال الأمر وإن شق عليه الابتداء .. لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وأفراح .. وإن كرهته بنفسه فهو خير لها وأنفع .. وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب النهي وإن هويته نفسه ومالت إليه .. فإن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصائب .. وخاصية العقل تحتمل الألم اليسير لما يعقبه من اللذة العظيمة والخير الكثير .. واجتناب اللذة اليسيرة لما يعقبها من الألم العظيم والشر الطويل .. فنظر الجاهل لا يجاوز المبادئ إلى غايتها .. والعاقل الكيس دائماً ينظر إلى الغايات من وراء ستور مبادئها .. فيرى ما وراء تلك الستور من الغايات المحمودة والمذمومة .. فيرى المناهي كطعام لذيذ قد خلط فيه سم قاتل .. فكلما دعته لذته إلى تناوله نهاه ما فيه من السم .. ويرى الأوامر كدواء مرّ كريه المذاق مفض إلى العافية والشفاء ..وكلما نهاه كراهة مذاقه عن تناوله أمره نفعه بالتناول ..

من التراث الإنساني ..

تحكي كتب التراث الصينى: أن رجلاً كان يملك مكاناً متسعاً وفيه خيل كثيرة .. وكان من ضمن الخيل حصان يحبه .. وحدث أن هام ذلك الحصان في المراعي .. ولم يعد فحزن عليه فجاء الناس ليعزوه في فقد الحصان .. فابتسم وقال لهم: ومن أدراكم أن ذلك شر لتعزوني فيه؟
وبعد مدة فوجئ الرجل بالجواد ومعه قطيع من الجياد يجره خلفه .. فلما رأى الناس ذلك جاءوا ليهنئوه .. فقال لهم: وما أدراكم أن في ذلك خير، فسكت الناس عن التهنئة ..
وبعد ذلك جاء ابنه ليركب الجواد فانطلق به وسقط الولد من فوق الحصان فانكسرت ساقه، فجاء الناس مرة أخرى ليواسوا الرجل .. فقال لهم: ومن أدراكم أن ذلك شر؟
وبعد ذلك قامت حرب .. فجمعت الحكومة كل شباب البلده ليقاتلوا العدو .. وتركوا هذا الابن لأن ساقه مكسورة .. فجاءوا يهنئونه .. فقال لهم: ومن أدراكم أن ذلك خير؟

أزمة الغذاء مفيدة لبوليفيا ..

كتب الصحفي أحمد عبد الجواد: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) .. هذه الآية القرآنية الكريمة جسدت حال كثير من مزارعي بوليفيا الذين أجبرهم غلاء أسعار الغذاء على التخلي عن زراعة الكوكايين المستخلص من أوراق الكوكا، والاتجاه لزراعة الحبوب الغذائية.
وفيما فشلت الولايات المتحدة برغم إنفاقها ملايين الدولارات في إقناع المزارعين البوليفيين بزراعة حقولهم محاصيل الغذاء ، نجح تنين غلاء الأسعار في إجبارهم على ترك زراعة الكوكايين، بحسب صحيفة هيرالد تربيون الأمريكية.
وعلى مدى عقدين من الزمان، حارب الرئيس البوليفي إيفو موراليس زعيم اتحاد مزارعي الكوكا، برامج الولايات المتحدة لاستبدال محاصيل غذائية بالكوكا، فالرئيس البوليفي نفسه أحد مزارعي الكوكا.

إلا أن ارتفاع أسعار الحبوب، ونقص الغذاء قد جعلاه يعيد النظر في سياسته، ودفعاه لمطالبة المزارعين بزراعة الأرز والذرة، وخفض إنتاج الكوكا، لإنقاذ تلك الدولة الأشد فقراً في أمريكا الجنوبية.
وفي لقاء جماهيري الشهر الماضي مع آلاف الفلاحين في مدينة سناتهوتا بمنطقة تشاباري وسط بوليفيا، قال موراليوس: “لن يكون هناك كوكا، ولن يكون هناك أيضا حرية لزراعة الكوكا”.

شواهد من صفحات التاريخ

ويقول الدكتور عمر بن عبد الله المقبل في أحد خطبه: ولو قلبنا قصص القرآن، وصفحات التاريخ، أو نظرنا في الواقع لوجدنا من ذلك عبراً وشواهدَ كثيرة، لعلنا نذكر ببعض منها، عسى أن يكون في ذلك سلوةً لكل محزون، وعزاء لكل مهموم:

1 – قصة إلقاء أم موسى لولدها في البحر: فأنت _ إذا تأملتَ _ وجدتَ أنه لا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة في مستقبل الأيام، وصدق ربنا: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

2- وتأمل في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام تجد أن هذه الآية منطبقة

تمام الانطباق على ما جرى ليوسف وأبيه يعقوب عليهما الصلاة والسلام.

3 – تأمل في قصة الغلام الذي قتله الخضر بأمر الله تعالى، فإنه علل قتله

بقوله: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا

(80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 80، 81]!

توقف _ أيها المؤمن ويا أيتها المؤمنة عندها قليلاً _!
كم من إنسان لم يقدر الله تعالى أن يرزقه بالولد، فضاق ذرعا بذلك، واهتم واغتم وصار ضيقاً صدره _ وهذه طبيعة البشر _ لكن الذي لا ينبغي أن يحدث هو الحزن الدائم، والشعور بالحرمان الذي يقضي على بقية مشاريعه في الحياة!
وليت من حرم نعمة الولد أن يتأمل هذه الآية لا ليذهب حزنه فحسب، بل ليطمئن قلبه، وينشرح صدره، ويرتاح خاطره، وليته ينظر إلى هذا القدر بعين النعمة، وبصر الرحمة، وأن الله تعالى رُبَما صرف هذه النعمة رحمةً به! وما يدريه؟ لعله إذا رزق بولد صار – هذا الولد – سبباً في شقاء والديه، وتعاستهما، وتنغيص عيشهما! أو تشويه سمعته، حتى لو نطق لكاد أن يقول:؟؟؟

سبحان الله ..
وفي الواقع قصص كثيرة جداً، أذكر منها ما ذكره الطنطاوي رحمه الله عن صاحب له: أن رجلاً قدم إلى المطار، وكان حريصا على رحلته، وهو مجهد بعض الشيء، فأخذته نومةٌ ترتب عليها أن أقلعت الطائرة، وفيها ركاب كثيرون يزيدون على ثلاث مائة راكب، فلما أفاق إذا بالطائرة قد أقلعت قبل قليل، وفاتته الرحلة، فضاق صدره، وندم ندماً شديداً، ولم تمض دقائق على هذه الحال التي هو عليها حتى أعلن عن سقوط الطائرة، واحتراق من فيها بالكامل!

والسؤال أخي: ألم يكن فوات الرحلة خيراً لهذا الرجل؟! ولكن أين المعتبرون والمتعظون؟

وهذا طالب ذهب للدراسة في بلد آخر، وفي أيام الاختبارات ذهب لجزيرة مجاورة للمذاكرة والدراسة، وهو سائر في الجزيرة قطف بعض الورود، فرآه رجال الأمن فحبسوه يوماً وليلة عقاباً لصنيعه مع النبات، وهو يطلب منهم بإلحاح إخراجه ليختبر غدا، وهم يرفضون، ثم ماذا حصل!؟ لقد غرقت السفينة التي كانت تقل الركاب من الجزيرة ذلك اليوم، غرقت بمن فيها، ونجا هو بإذن الواحد الأحد!

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم