(1)
كل شخص منا و بدون استثناء , لديه موهبة ما , لكن بنوع مختلف عن الاخر، يقـول العـالِـم النفـسي إبراهـام ماسلـــو: «المـوهبة، هــي طاقـات، تُطالــــب باستغلالها، ورغبة في كل شخص لتحقيق ذاته، وعزم متواصل على تطوير الذات، واحترامها، وتحقيق الإنجازات».
ويقــول الأستـاذ الــدكتـور يوسف عز الدين عيسى:«الموهبة، هي عطية من الله. لكن لابد أن يبـذل صاحبهـــا جهـــداً في الدراســـة، (في مجالها)، أو في الصقل، أو التمرين، لكي تبدو واضحة لأي متذوق لكل ما هو جميل».
ويقـــول الأستاذ الـدكتور يسري عبد المحسن:«داخل كل منا قدرات، قد يخرج بعضها إلى دائرة الضوء، حيث يستفيد منها الشخص، ويُفيد. وقد يظل بعضها كامناً في دائرة الظلام، لا يتم اكتشافه على مدى حياته».
فاكتشاف الهواية (التي هي أول خطوة نحو اكتشاف الموهبة).
وممارستها عند كل شخص في وقت مبكر من عمره، يعتبر شيئاً هاماً، وحيوياً، حيث يساعد على اكتمال النمو، والنضج النفسي، وعلى الإحساس بالذات، والكيان الشخصي.
(2)
كـيف تكتشف موهبتك الكامنة؟
أولاً: اكتشاف ميولك .
إن حبك، وميولك إلى أن تؤدي عملاً معيناً، يمكن أن يدلك على نوع الموهبة الدفينة في نفسك. إن ميولك هي التي تدفع بك نحو أمر معيــــن دون ســواه، وهــذه الميول تبدأ في سن مبكرة من الطفولة. وعلى كل أسرة أن تراعي أطفالها في هذه الميول.
فإذا وُجد أن الطفل لديه ميول للرسم مثلاً فشجعه… وهكذا. ولذلك، فإن اهتمامك مع أسرتك تكشف جوهر الموهبة المختبئة. فقط، تأكد من أن ميولك تتجه بك إلى الطريق الصحيح، المؤدي إلى الموهبة، كهدف في حد ذاتها.
ثانياً: راقب درجة اقتناعك:
إذ يجب أن يكون الشخص مقتنعاً فعلاً، بما يود أن يفعله، وأن يزيد معرفته به، وأن يخـوض في بحاره الآمـنـة. فإن الاقتناع يولِّد لدى الشخص طاقة نفسية، وعاطفية تكون مثل الجائزة الجميلة، لأنك سوف تدرك وتتأكد من أصالة الموهبة الكامنة.
ثالثاً: راقب درجة سرعة تعلمّك:
إن سرعة تعلّم الفنون في مجال موهبتك، هي علامة على قدرتك على النجاح فيه، وعلى أصالة الموهبة فيه. لكن، لا تنسَ أن التعلّم يستمر طوال الحيــاة، بأكملهــا، حتــى لــو كان بطيئاً في بعض المجالات التي لا تجد موهبتك الكامنة، فيها.
رابعــــاً: ترقــب لحظة البراعة، وومضة الإتقان :
يمكنك أن تحدد مركز الـموهبـة عندك، وذلك بأن تراقب لحظة إتقانـــك، وبراعتك في التنفيـــذ. انظــر بعيـن فاحصة، متيقنة تلك الموهبة، فهي القادرة على أن تلمــح لحظــة الإتقـــــان.
خامساً: لاحظ مدى التنفيذ التام للإتقان:
فإن اللاعب الموهوب، يقوم بأحسن ألعابه دون وعي وبصورة آلية. وكذلك عند الكتابة الموهوبة لقصة، فإن أحرف الكتابة تبدأ في الإنسياب.. فتأتي رسالته واضحة، ومقنعة. فالتنفيذ الكامل لمرحلة من مراحل الموهبة، هو امتــداد كلّي لنشاط يحدث فـي كــل مرة تقوم فيها بهذا النشاط. وهو الدليل على وجود الموهبة.
فيمكنك أن تفحص وتُحسن التنفيذ التام لخطوات أداء الموهبة، خلال فترة من الوقت. فإن الاقتناع، الذي يحصل بعد عملية التنفيذ يدفع الشخص الـموهــوب إلى تكــرار ما قام به.. والتكرار يولّد التحسن، وتألق الموهبة.
(3)
كيف تنمي موهبتـك لتبقى حيّة وفعـاّلة:
بعد أن تكتشف موهبتك – التي كانت كامنــة، وخافيــة عن الأنظار طويلاً، يكون عليك دور مهم، أن تقوم به، وتنجزه، لكي تنمّي هذه الموهبة المُكتشفة حديثاً، فتبقى حية في أعماقك، فعَّالــة في حياتك، ومثمرة في مستقبلك وذلك عن طريق الآتي:
أولاً: عليك بالتعلم:
فبالتعلم يكتسب عقلك قدراً محترماً ومتميزاً من المعرفة عن الموضوع الذي تحبه، ومن الخبرة فيما تميل إلى ممارسته عملياً.
ولأن الموهبة تحتاج إلى دراسة مستفيضة، وإلى الالتزام بمنهج معين، فعليك بالالتحاق بأحد المؤسسات التعليمية المتخصصة، أو بالتلمذة على يد المتمكنين، دراية وخبرة، هنا في هذا المجال، لكي تحصل على ما لديهم من معارف تفيدك.
كما يمكنك الحصول على المزيد من التعلم بالاطلاع على الكتب المعاصرة، وعلى الأبحاث الحديثة في مجال موهبتك، وكذلك بالاحتكاك الثقافي بنماذج حية ناجحة.
اختر المُعلم، سواء كان شخصاً، أو كتاباً، فتــُضاء لك طريـــق التعلــم في مجال
ثانياً: واظب على التدريب:
أن تتدرب على إجادة تنفيذ موهبتك، وإخراجها بشكل عملي إلى الحيــاة، يعنــي أن تقـوم بالخطـوات العمليـة فـي تنفيـذ العمل الــذي يتعلـــق بالموهبــة في مجالهــا – سواء العلمي أو الفني، أو الاجتماعي – وفيــه تحــــاول أن تــقـوم بخطوات العــمل بالـطريـقـة الصحيحة، ووفــقـاً للمبادئ الأساسيــة لــه، وذلك بصفة منتظمـة، وفـي أوقـات محددة.
وفـي هــذه المرحلة مــن التدريب، احرص على أن تخضع نشاطك لمتخصص متمكن، لكي يكشف لك عما هو صحيح، وما هو سلبي في أداء التدريب، أو فـي خطــوة التنفـيــذ، وبـذلـك تعرف كيفية تفادي الخطأ في التنفيذ، وكذلك كيفية الأداء الصحيح، وذلك من أجل ضمان وصولك إلى الكفاءة في الأداء.
وتأكد من أن أهم وسائل التدريب المثمر، هو أن تكرر أداء العمل على الوجه الصحيح، حتى يصبح من السهل عليك أداؤه، وكذلك تنمية قدرتك، بتقدمك في إجادة فنون موهبتك.
أخيراً والأهم:
تأكد أن كل شخص منا، وبدون استثناء، لديه موهبة ما، لكنها من نوع مختلف عن الآخر. المهم، هو أن تعرف كيف تتعرف على موهبتـك، التــي منـحك إياها الله عز وجل، وأن تتوصل إلى قدراتك الطبيعية المميزة، الكامنة فتنميها.. لكي تشعر بالرضا والابتهاج وبمزيد من الثقة بنفسك. فتفيد نفسك، وتفيد مجتمعك.
والموهبة هي اسـتعداد طبيعي لدى الانسان، فالانسان يولَد وهو مُزوَّد بها، وليس له دخل في وجودها.. كالذكاء والحفظ والقابلية الفنية، مثل القدرة على الرسم والخط، أو الموهبة الشعرية والكتابية والخطابية، أو القدرة على الاختراع والعمل والابتكار، وتعلّم الأشياء، واكتساب الخبرات… إلخ.
إنّ كلّ تلك المواهب والقابليات هي هبة من الله سبحانه.. وإنّ هذه المواهب الراقية هي التي صنعت من أصحابها مشاهير وعظماء وقادة كباراً، أحدثوا تغـييراً عظيماً في أوضاع البشرية الفكرية والسياسية والعلمية والاقتصادية والعسكرية والفنية والاجتماعية… إلخ.
وكلّ إنسان قد اُعطي موهبة من المواهب، وزُوِّدَ بقابليـة واستعدادات، ولكن بدرجات متفاوتة، فهي تبدأ من مستوى النوابغ والعباقرة، وتتدرّج إلى مستويات أقلّ درجة.. وتلك المواهب والقابليات هي نعمة من الله سبحانه، وفضل منه…
إنّ كلّ واحد منّا يحمل مواهب واستعدادات، ولكن الكثير منّا لم يكتشف تلك القابليات والمواهب المتوفرة لديه.. إنّها كنز ثمين يختبئ في نفس الانسان، كما يختبئ البلاتين والذهب والماس في المناجم.. وما لم يكتشف العلماء والخبراء هذه المناجم، لا يمكن الاستفادة من تلك المواد الثمينة..
إنّ مواهبنا وقدراتنا العقلية أو الفنية أو الجسدية أو التصنيعية أمانة بأيدينا، علينا أن نكتشف هذه المواهب الذاتية الكامنة فينا، كما يكتشف العلماء المعادن الثمينة..
إنّ الطالب يدرس في مراحله الدراسية علوم الرياضيات والهندسة والفيزياء والكيمياء والشعر والتاريخ والفقه والقرآن الكريم والاقتصاد والرسم والخط والإنشاء والنحو… إلخ، ويشعر في نفسه أنّ له ميلاً وقدرة متفوِّقة على فهم بعض هذه الدروس والعلوم والرغبة فيها أكثر من غيرها.. وعن هذا الطريق يكتشف قدرته بصورة أوّلية..
فعندما ترى قدرتك على الخط، وأنّك تملك خطّاً جميلاً، حاوِل أن تُنمِّي هذه القدرة بتقليد الخطّاطين، ودراسة أصول الخط والمشاركة في المعارض المدرسية… إلخ.
وعندما ترى قدرتك الفنية على الرسم أو التخريم أو بعض الفنون.. حاوِل أن تنمِّي هذه الموهبة بالرسم والتخريم والاستفادة من خبرات الرسّامين والفنّانين ورسم اللّوحات الفنية..
وعندما تجد فيك ميلاً وموهبة لتلقِّي علوم الرياضيات أو الهندسة أو الفيزياء أو الكيمياء، وحلّ المسائل والمعادلات، أكثر من قدرتك على تلقِّي علوم التاريخ واللّغة.. حاوِل أن تُركِّز جهدك على دراسة الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء أو الهندسة، حسب ميلك النفسيّ، ومقدرتك العقلية..
وعندما تختار فرعك الدراسيّ في المستقبل، إختر الفرع الذي تتفوّق فيه، وتجد في نفسك ميلاً إليه.. إنّك إذا اخترت فرعاً من فروع الدراسة الذي لا يناسب قدرتك العقلية، وليس لديك رغبة نفسية فيه، قد تفشل في المستقبل، وتُضيِّع موهبتك، ولن تكون متفوِّقاً في تلك المادّة.
وقد تكون لديك قدرة مبكِّرة على الاختراع وصناعة بعض الأجهزة واصلاحها.. فحاوِل أن تُمارِس ذلك وتنمِّيه بتجميع بعض قطع تلك الأجهزة، كشراء بعضها من السوق، أو الحصول عليها من بعض الأجهزة القديمة.. وباشِر بصناعة الجهاز الذي تستطيع صناعته، أو مارِس عملية إصلاح الأجهزة التي لديك مَيْل إلى إصلاحها.. فانّها مقدِّمة لاكتشاف موهبتك وتنمية قدرتك على الاختراع والصناعة.
وعندما تعترضك مشكلة في هذا العمل، عليك أن تستعين بشخص متخصِّص بتلك الأجهزة، كالمهندسين والعمّال والفنيين، وأصحاب الأعمال المتخصِّصين… إلخ.. لا تترك هذه الموهبة لديك تذهب هدراً، قد تكون في المستقبل مخترعاً كبيراً، وذا قدرة على الابتكار والإبداع وصناعة الأجهزة والآلات المتطوِّرة..
وعندما تجد في نفسك القدرة على حفظ القرآن الكريم وتجويده، سارِع الى وضع برنامج لحفظ القرآن بالاعتماد على القراءة المسجّلة لأحد القرّاء المشهورين..
وعندما تجد في نفسك القدرة على نظم الشعر.. فحاوِل أن تكثر من قراءة الشعر وحفظه واقتناء دواوين الشعراء، أو قراءة المجلّات الأدبية لتتكوّن لديك ثروة أدبيّة، ولتنمي مواهبك الشعرية.. وحاوِل أن تنظم الشعر، وتعرضه على مدرِّس اللّغة العربية، أو على أشخاص ينظمون الشعر، أو يعرفون أصول الشعر وأوزانه، لا تترك هذه الموهبة المتوفرة لديك تذهب هدراً..
وقد تجد في نفسك القدرة على كتابة المقالة.. من خلال درس الإنشاء، وقراءة الكتب والمجلّات، فاعمل على تنمية هذه الموهبة بالإكثار من القراءة والمطالعة..
وحاوِل أن تبدأ بتلخيص كتاب صغير بعد أن تقرأه، أو كتابة مذكّراتك، ثمّ انتقل إلى كتابة المقالة بعد أن تُحدِّد الأفكار الأساسية للموضوع على شكل نقاط، ثمّ باشِر بصياغتها، أو كتابة قصّة قصيرة.. ثمّ اعرض ذلك على شخص لديه الخبرة في الكتابة والتأليف.. إنّك إن واظبتَ على ذلك ستكون شاعراً أو كاتباً أو صحفيّاً في المستقبل..
إنّ الله سبحانه قد وهب كلّ شخص منّا موهبة.. وعندما يكتشف تلك الموهبة وينميها بالتدريب واكتساب الخبرة، سيستفيد هو من خبرته ومواهبه، كما تستفيد اُمّته والإنسانية، وقد تكون واحداً من النوابغ والمشاهير والمتفوِّقين
وأهم من ذلك كله تجنب الذين يحاولون التدخل لتحطيم موهبتك، خصوصا الذين يدعون أنها لن تفيدك أكاديميا أو ماديا في الوقت الراهن، وغالبا ما يكونون أقرب المقربين إليك.
المصدر: موقع شبكة المشكاة الإسلامية .