الأحد 22 ديسمبر 2024 / 21-جمادى الآخرة-1446

دراسات أسريّة : الهوس الاستهلاكي عند السعوديات .



                              دراسات أسريّة : الهوس الاستهلاكي عند السعوديات .

                                                                                                   أ. ابتهال السامرائي .

نشطت مبيعات الماركات العالمية في الأسواق السعودية، رغم موجة الغلاء التي شملت كافة السلع الاستهلاكية.
وعززت سعوديات نشاط تلك المبيعات، بعد أن شهدت الأسواق التجارية إقبالا متزايدا من قبل المتسوقات، فيما تصدرت المراهقات القائمة في المبيعات.

ووفقا لمتضررات فإن خدمات ما بعد البيع معدومة لأغلبية الماركات الشهيرة المعروضة على الواجهات الأمامية في الأسواق المحلية، وان موجة الغلاء التي شملت كافة المنتجات الاستهلاكية عززت مبيعات المقلد.

وتضاعف هوس شراء الماركات العالمية في السنوات الأخيرة عالميا، ولكنه تضاعف بشكل خاص في المملكة، ووفقا لإحصائيات غير رسمية فإن فروع بعض هذه الماركات في المملكة تأتي في المراتب المتقدمة في الفروع الأكثر مبيعا بعد فروع نيويورك وباريس .

ولم تمنع موجة غلاء الأسعار التي ضربت سوق الماركات العالمية بشكل خاص نظرا لارتباطها بارتفاع اليورو، لم تمنع السيدات والرجال على حد سواء من التدفق إلى هذه المحلات لشراء المزيد من تلك البضائع خاصة في موسم التخفيضات.

وقالت مي العاملي “إن أسعار الماركات شهدت ارتفاعات متتالية في الآونة الأخيرة،وعزز ارتفاع حجم المبيعات الإقبال المتزايد من قبل السيدات”.
وعن الماركات المقلدة، قالت العاملي “أن صناعتها تكون رديئة وسريعة التلف بينما الأصلية يمكن استخدامها على مدار عشر سنوات، وبعض الماركات المقلدة تقليدا (أول) كما يطلق عليها، تكون غالية الثمن،رغم أنها تكون متقنة لدرجة لا تفرق عن الأصلية، إلا إن مشكلتها أنها لا تملك ضمانا عليها، بينما الماركات الأصلية تستطيع أخذها لوكيلها لتصليحها او تنظيفها”.

وقالت رفيدة مصلح إن موجة الغلاء عززت مبيعات المقلد، وأشارت الى إن الماركات المقلدة أسرع تلفا من الأصلية، حتى وان تركت من دون استعمال ستلاحظ انها تبلى وتتلف بسرعة، وانتقدت سوق الماركات العالمية نظرا لأنها لاحظت أن معظم الموديلات التي تصل إلى المملكة تكون قديمة وسبق نزولها في مواسم سابقة في الأسواق الأوروبية والأمريكية، وأضافت “ان هذه المحلات من أنشط المحلات في المملكة وعلى مستوى العالم ومن واجبها أن توفر خدمات تتناسب مع حجم البيع والدخل الذي تحققه”، وأشارت إلى أن خدمات ما بعد البيع تكاد تكون معدومة، وقالت “هنا لا يستطيع الزبون ان يستفيد من الضمان بالشكل الطبيعي”.

وزادت “ان ما يحصل حاليا من كثرة الاقبال على الماركات انما هو نتيجة رغبة الناس بالتباهي أمام بعضها البعض والاعتقاد بأن ذلك يعكس المستوى الاجتماعي لكل شخص”، ولفتت إلى إن هناك وعي متزايد بين الناس عن أهمية مواسم التخفيضات التي تتيح شراء الماركات العالمية بأسعار مخفضة.

فيما قالت نورة هاشم أن أسعار بعض هذه الماركات مبالغ فيها حتى بالنسبة لسيدة عاملة ولديها مصدر دخل جيد، رغم انه لا يوجد أية ضرائب تفرض على الزبون لدى شرائه من هذه الماركات.

الى ذلك أكد الدكتور ابراهيم الزين، أستاذ علم اجتماع الجريمة المساعد ورئيس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ان التغيرات الاقتصادية التي انعكست على ثقافة الاستهلاك اظهرت نمطا استهلاكيا جديدا يطلق عليه “الاستهلاك الترفي” والذي فرض سلوكيات جديدة على المجتمع.

وقال ل”الرياض” إن الاستهلاك الترفي يقصد به الإنفاق على سلع كمالية بشكل فيه نوع من الإسراف لإشباع احتياجات غير ضرورية،ولا يقتصر هذا النمط من الاستهلاك على فئة أو طبقة اجتماعية دون أخرى.

واضاف: أن هذا السلوك لا يمكن إرجاعه لسبب محدد مثل مستوى الدخل أو التعليم أو الاختلاط بالثقافات الأخرى أو الإقامة في المناطق الحضرية أو غيرها من الخصائص الاجتماعية والاقتصادية. فهذا السلوك، وإن كان في ظاهره مكتسب، إلا أنه في حقيقة الأمر يرتبط بعوامل متعددة تتعلق بالشخص كالاستعداد النفسي وإشباع الحاجات الأساسية، إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالمجتمع كالظروف المحيطة بهذا الشخص والتي قد تكون مشجعة لنمو هذا السلوك لديه.

وزاد “بالرغم من التقلبات الاقتصادية التي يمر بها المجتمع التي يفترض أن تؤثر على السلوك الاستهلاكي للأفراد إلا أن ذلك قد لا يؤثر على اتجاه السيدات نحو الاستهلاك الترفي والموجه لاقتناء السلع الكمالية، ليس ذلك فحسب بل أن الكثير منهن يحرصن على أن تكون هذه السلع مصنعة من أشهر الماركات العالمية ومن كبار بيوتات الأزياء العالمية مهما غلت أثمانها وأرهقت ميزانياتهن”. وقال أن هذا السلوك الاستهلاكي يشمل جميع النساء سواءً اللاتي ليس لديهن مصدر ثابت للدخل أو حتى العاملات اللاتي لديهن دخل ثابتة ينفقن معظمه في شراء هذه السلع.

لافتا إلى إن هذا الأسلوب في الإنفاق في الآونة الأخيرة، أصبح ثقافة سائدة بين النساء في المجتمعات المختلفة، ومنها المجتمع السعودي. حيث تقضي النساء الكثير من الوقت في التبضع باحثات دون كلل أو ملل عن كل ما هو جديد من هذه السلع ذات الماركات الشهيرة. وتقف العديد من العوامل الاجتماعية والنفسية خلف هذا السلوك الترفي، وتتوزع هذه العوامل بين ظروف المجتمع، وبين المرأة نفسها. ومن أبرز العوامل المجتمعية ما يلي :

1- ارتفاع مستوى الدخل القومي الإجمالي للمجتمع السعودي والذي وفقاً لتقرير البنك الدولي لسنة (2007م) بلغ (289، 2مليار دولار) وما تبعه من ارتفاع في متوسط الدخل الفردي للمواطن السعودي والذي يشير التقرير إلى أنه بلغ (11، 77ألف دولار).

2- توافر هذا النوع من السلع ذات الماركات العالمية في الأسواق السعودية بشكل مستمر وتقريباً في معظم مناطق ومدن المملكة، بل أن الوصول إليها تجاوز الأساليب التقليدية المعروفة، إذ يتم عرضها وبيعها وتوصيلها عبر الوسائل التقنية الحديثة مثل القنوات التلفزيونية المتخصصة والانترنت، مما يسهل متابعتها واقتنائها.

3- التغير في ثقافة الاستهلاك بالمجتمع السعودي، والتي تأثرت بالاتجاه العام نحو اقتناء الكماليات والتنافس في شراء ما هو جديد من هذه السلع ذات الماركات العالمية المعروفة بغض النظر عن مدى الحاجة إليها أو توفر الإمكانات المادية المناسبة لشرائها.

4- الدعاية المركزة لهذه السلع والترويج لها بشكل يومي عبر وسائل الاعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمشاهدة مما يشجع لشرائها.

أما العوامل الاجتماعية والنفسية المرتبطة بالمرأة نفسها والتي تقف خلف هذا السلوك الترفي أرجعها أستاذ علم الاجتماع الى الحاجة الفعلية لهذه السلع الكمالية ذات الماركات العالمية المشهورة، وعدم توفر البدائل المناسبة لها في السوق، بحيث لا يكون أمام المرأة إلا شراؤها بغض النظر عن تكلفتها المادية، وهذه قد تكون الحالة المثالية التي يمكن قبولها من الناحيتين الاقتصادية والمجتمعية، إذ أن ذلك السلوك الاستهلاكي يعد مبرراً، وقد يكون الدافع لشراء هذه السلع الاقتناع بجودتها وتميزها من حيث الصنع كمنتج متميز يستحق الاقتناء والاستخدام، وهذه أيضاً تعد حالة مثالية ومقبولة

او قد يكون هذا السلوك الاستهلاكي المترف، نوعاً من الترويح عن النفس كأسلوب لقضاء وقت الفراغ، وبخاصةً أن مراكز التسوق أصبحت اليوم تؤدي العديد من الوظائف الترفيهية إضافةً إلى دورها الأساسي كأماكن لتسويق هذا النوع من البضائع، ومن العوامل المرتبطة بالمرأة التي تدفعها لذلك الاستهلاك الترفي، التقليد للنساء الأخريات، بغض النظر عن قناعتها بهذه السلع، فيكون اختيار السلعة ذات الماركة العالمية هنا ليس مبنياً على القناعة أو الاختيار الشخصي بل محاكاةً لسيدة أخرى،وأضاف

“من الدوافع الشخصية لشراء هذه السلع حالة التنافس مع النساء الأخريات، فيكون شراء هذه السلع دافعه الغيرة ومحاولة مجاراة هؤلاء النساء، مهما كانت التكلفة أو الخسارة المترتبة على ذلك السلوك الاستهلاكي، ومنها الإعجاب الشخصي بسيدة أخرى سواءً كانت من السيدات المحيطات بها في بيئتها الشخصية، أو من النساء الشهيرات اللاتي اقتنين هذه السلعة، وشاهدتهن يرتدنها أو يستخدمنها،وقد يكون ذلك لهوس في اقتناء كل ما هو جديد ومعروض في الأسواق من الماركات المشهورة بغض النظر عن الحاجة الفعلية، لهذه البضائع أو السلع”.

وأشار رئيس قسم الاجتماع بجامعة الإمام إلى أن هذا الهوس الاستهلاكي، بغض النظر عن العوامل الدافعة إليه، يعد مشكلة اقتصادية تحتاج إلى دراسة متعمقة توضح حجم للأضرار التي يمكن أن تلحق بالمجتمع أو بالأفراد أنفسهم، إذ أن الاستغراق في هذا السلوك المترف يترك آثار سلبية على الأسرة، من أهمها أنه يحد من فرصة الأسر في الاستثمار والادخار لتحقيق أهدافها الاقتصادية والمجتمعية، أو لمواجهة الأزمات الاقتصادية التي قد تتعرض لها.

كما أن ذلك يتطلب بدايةً اعترافاً من المرأة بخطورة هذا السلوك كي تبادر في تغييره، ويمكن أن نؤكد هنا على تقوية الوازع الديني لدى الأسر والامتثال للضوابط الشرعية التي تؤكد على عدم الإسراف في الإنفاق والمسؤولية الاجتماعية والفردية نحو المال وطرق إنفاقه. ولذا فلا بد من نشر الوعي الاستهلاكي في المجتمع وخاصة بين النساء، من خلال نشر ثقافة الترشيد بدلا من ثقافة الاستهلاك الترفي الذي اتضح تأثيره السلبي على المجتمع وأفراده.

                               المصدر : صحيفة الرياض ، العدد 14474 .

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم