السبت 21 ديسمبر 2024 / 20-جمادى الآخرة-1446

الطفل الغضِب .



  الطفل الغضِب .
                                                                       د. عبد الله عبد الرحمن السبيعي
http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcThkeqHrzDGpjxj4wVsFGC_DzYTtIIUulSSvIr45LObKStY3Yriqw

الغضب هو عاطفة أساسية في البشرية. في أوقات مختلفة جميعنا وقع تحت وطأه الغضب أو مارسه. ولكن وكبقية العواطف، فإنه يمكن التحكم فيه.

للأسف الكثير من الأطفال لم يتم تعليمهم أو تدريبهم على كيفية إدارة الغضب والتحكم فيه واستمر الحال بهم إلى أن أصبحوا راشدين.

أي شخص واجه أو تصادم مع آخر تحت وطأة الغضب (الغيظ الشديد) الخارج عن السيطرة، أو عايش الوضع هو بنفسه، فإنه ولا شك يدرك مقدار الإحراج الذي يقع فيه الشخص الذي يسمح لهذه العاطفة كامل متنفسها.

إن فهم مسببات الغضب حتماً سيساعد وبشكل أفضل في قيادتك لطفلك للسيطرة على هذه العاطفة.

فكلما أصبحت بجانب طفلك لدعمه و مؤازرته فإنه سيشعر بالأمل والثقة في مواجهة غضبه و التحكم فيه خصوصاً حين تكون العائلة بأسرها مرتبطة برباط واحد.

فهم وإدراك الغضب:

العديد من الآباء والأمهات يؤمنون أن غضب الأطفال “هذا هو كذا” أو “هذا طبعه” تاركينه يتحكم فيهم حسب موجة غضبه.

وفي بعض الأحيان فإن الوالدين يرفعون درجة الغضب لدى الطفل بدون أن يدركوا أنهم يفعلون ذلك.

إن فهم مسببات الغضب في بداياته حتماً سيساعد الوالدين على التعامل معه بالشكل الأفضل.

الإحباط:

– عدم الصبر في مواجهة الطفل بشكل مستمر من قبل الآباء هو مصدر من مصادر الإحباط. حيث يشعر الطفل أنه في طريقك ولن يتوافق مع توقعاتك أبداً.

– كثيراً ما يكون الآباء متضاربين في العديد من الحالات التي يمارسون فيها أدوارهم الأبوية مع أطفالهم، التمجيد، التهذيب، ضبط النفس، والقوانين.
هذا بلا شك يشوش الأطفال و يخلق الاضطراب في أنفسهم خصوصاً عندما تتغير الأحكام والقوانين في المنزل وكذلك الحدود أيضاً بصفة مستمرة وغير ثابتة.

الخوف:

في كثير من الحالات فإن السبب الرئيسي للغضب هو الخوف. وعلى الرغم من أن الخوف قد يبدو لنا أمر غير عقلاني كراشدين إلا أنه حقيقي جداً بالنسبة للأطفال. الخوف من الرفض أو الإهمال أو ربما الهجر والذي قد يحدثه الطلاق أو الوفاة.

الأطفال بحاجة لحب غير محدود وغير مشروط. عندما لا يشعر الأطفال بالحب من والديهم إلا عندما يتصرفون بشكل جيد أو ممتاز فإنهم سيصبحون قلقين وغاضبين لأنهم سيشعرون بل يؤمنون أن عليهم أن (يعملوا شيئا) كي يحبهم آبائهم أي أن والديهم لا يحبونهم كونهم أبنائهم.

بعض الأطفال يدمج الضغط كسلوك خاص أو يجعله دافعاً للتفوق في الدراسة أو الرياضة. هذا الضغط قد يأتي من الآباء أو ربما بسبب تهيئات واعتقادات داخل الطفل نفسه. في كلا الحالتين، الخوف من الفشل غالباً يظهر نفسه على شكل موجة غضب.

النمذجة أو التطريز:

بينما لا يرغب أي والدين في الاعتراف بذلك، فإن غضب الطفل قد يكون صورة مشابهة أو عكسية لما يعيشه الطفل من واقع أسرته، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر فإننا ننمذج الغضب لأطفالنا.

الأطفال مقلدون، إنهم بساطة أشبه بفكينا، فما ننطقه أو نتصرف به فإنهم يقلدوننا فيه أو يردون علينا بالمثل.

بالطبع، كلما أصبحت علامات ودلائل الغضب ظاهرة، كالصفع بالأبواب، الصراخ، ضرب أو رمي الأشياء، ….
بمجرد ما يتعلم الأطفال السير والكلام بمراقبتنا و اتخاذنا نموذجاًُ لهم فهم حتماً سيقلدون كل تصرفاتنا بما في ذلك غضبنا وطريقة انفعالنا.

ترتيب الولادة

بعض الأطفال الذين يأتون في منتصف الترتيب في العائلة يغبون بسبب موقعهم أو ترتيبهم في الولادة، إن الأطفال يبالغون في تلقي أو قبول حقيقة علاقة الذكاء أو التميز بالموقع أو الترتيب بين الإخوة مما يخلق منهم أشخاص صعبي المراس ليس من السهل التعامل معهم.

الطفل الثاني أو الأوسط قد يصبح ممتعض لشعوره أن عليه أن يدخل في منافسة مع (أخوه أو أخته المثالية). يمكن للغضب أن يتطور بداخل الطفل الذي يشعر أنه أقل ذكاء، أو غير قادر جسمياً أو أقل مهارة من أخوه أو أخته الأكبر، أو ربما أحد الأقرباء الأكبر منه.

التحكم في الغضب وإدارته:

إن الغضب هو صفة خلقها الرحمن و أودعها في البشر، لها دورها في حياتنا و هي بلا شك أمر طبيعي في خبرة البشر.
ذكرنا مسبقاً “أنه من غير الحكمة إعطاء الغضب مساحة كافية من الشعور و أن من يتحكم في غضبه أكثر هو الشخص الأكثر حكمة”.
إن الهدف ليس إهمال أو عدم تصريف الغضب إنما الهدف هو التحكم فيه. تعليم وتدريب طفلك ليدرك ويتحكم في غضبه سيساهم بشكل فعال في مساعدته في علاقاته الآن و حين يصبح راشداً.

وهذه بعض الطرق للتحكم في الغضب:

1. اعترف به:
كثيراً ما يعتقد الناس أنهم بتغاضيهم عن سلوك الغضب فإنه حتماً سيذهب دون عودة، بعض الأجيال تم تعليمهم التغاضي عن بعض العواطف لأن إظهارها أو التعبير عنها (خصوصاً الغضب، الحزن أو الخوف) يعتبر استسلام لشعور سلبي.
إن إظهار تقنية الروّاقي بشكل تلقائي (أحد أتباع المذهب الفلسفي الذي أنشأه زينون حوالي عام 3 قبل الميلاد والذي قال بأن الرجل الحكيم يجب أن يتحرر من الانفعال ولا يتأثر بالفرح أو الترح وأن يخضع من غير تذمر لحكم الضرورة القاهرة) ليس الهدف لإدارة الغضب. إنه أمر عادي ومقبول أن تعترف بأنك غاضب. المشكلة تكون أو تأتي عندما نعطي مساحة مكتملة للغضب. وهذا ما نضرب به المثل حين نقول مغفل أو أحمق.

2. هدئه أو انزع فتيله:
أفضل وسيلة لتهدئة الغضب ونزع فتيلة أن تتحدث عنه، شجع طفلك على أن يحدثك ويتناقش معك في الأشياء التي تجعله يغضب. كثيراً ما تكون هذه الأحاسيس نتيجة استقباله لأفعال أو ردود أفعلا أو كلمات غير عادلة أو غير منصفة في شأنه. أحيانا خيبة الأمل تكون سبباً للغضب أو جزءاً منه. ساعده ليفرق بين الإحساس بالغضب و بين التصرف بانفعال أو تحت وطأة الغضب.
إن التعبير عن الغضب بأسلوب هجومي أو مُتلف أو تخريبي يساهم في تنميته لا اطفاءه. إذا كان طفلك لأي رغب في الحديث عما أحاسيسه، شجعه في الكتابة عن ذلك في الجريدة أو المجلة أو الانترنت مثلاً. اقترح عليه أن يقوم هو بكتابة الخطوات التي يراها أفضل للتخلص من هذا الغضب الذي اجتاحه ليقدم ذلك كنصيحة لكل الأطفال الذين في عمره وذلك عبر نشرها. مثلاً: الصلاة، الاستماع للقرآن أو قراءته، قضاء بعض الوقت خارج المنزل أو أخذ جولة مشياً على الأقدام في الحي ….

3. أعد توجيه التركيز:
علم طفلك أن يحول تركيزه من على غضبه و النظر إلى جوانب إيجابية في حياته. عندما يستاء طفلك ذكره بالطرق والحالات العديدة التي يكون فيها سعيدا، العائلة، الأصدقاء، المسجد، الصحة، … وغيره.
العب معه لعبة الدقيقة (والتي تطلب منه أن يسمي أكبر عدد يستطيع من الأشياء الإيجابية في حياته خلال دقيقة) أو قم بوضع رسم بياني للحمد والشكر على الثلاجة أو أي مكان بارز واجعله يقوم بتعبئته بأسماء الأشياء والأشخاص الذين يشعر بالسعادة بتواجدهم في حياته.

4. استخدم نتائج ملموسة:
عندما يشعر طفلك بالاستياء ساعده على تمرير غضبه هذا على شكل نشاط جسماني، اطلب منه أن يجري حول المنزل مثلاً، فعندما يجري سيتمكن من الحصول على فرصة لممارسة ما نطلق عليه (الحديث مع النفس و محاورتها)، فستجده يردد في نفسه عدة أقوال حتّى يصل بإذن الله لقول (أشعر بتحسن الآن). عندما يعود إلى الداخل ، أعطه شراب بارد و استقبله بالأحضان. أخبره بأنك فخور جداً به لأنه استطاع أن يتغلب على غضبه ويحد منه.

الوقوف معاً كعائلة:

حسناً أحبتي دعوني أعترف لكم أنه ما من وسيلة مباشرة للتعامل مع الغضب أو الحد منه أو طريقة أو عازل يمكن أن نضعه حول المنزل فنتخلص من الغضب، لكن هناك أشياء يمكن أن نفعلها لإنقاص الشد و التوتر في منازلنا. شجعوا و نمّوا الجو الأسري الذي يمكن تقويته بشكل تبادلي بما يلي:

1. الموازنة المطمأنة:
من الطبيعي أن نقوم بمقارنة أطفالنا ببعضهم البعض أو بأطفال بعض معارفنا أو أقاربنا. هذا قد يسبب لأطفالنا حب الذات لدرجة عميقة،
لنتجنب القول: “أتمنى إنك تكون مثل فلان” أو “يا ليتك تتعلم من فلان” أو “شف عيال فلان كيف” ….
وبدلاً من ذلك لنركز على التطوير، الجهود و الآمال.
لنل مثلاً: “أنا أعرف إنك مجتهد عشان تحسن مستواك الدراسي، لكني متأكد إن بإمكانك تسوي أكثر” أو “أشكرك لأنك استطعت تتحكم في غضبك في هذا الوضع أو ذاك”.
باختصار فلنقدر كل طفل على أنه شخص مستقل مختلف ولنقبله على ماهو عليه ثم نحاول مساعدته ليكون أفضل ونتوقف عن محاولة جعله نسخة منا أو كما نريده أن يكون ولنتذكر أن له شخصيته المستقلة وتكوينه المستقل.

2. شجع الإثبات والتأكيد:
بدلاً من مراقبة التصرفات و الصفات السلبية في طفلك، لاحظ وحاول التعليق على الجوانب و الصفات والتصرفات الإيجابية. حاول أن “تصيده” وهو يقوم بعمل جيد واحرص على ذلك كحرصك الآن على أن “تصيده” وهو يمارس شيء سلبي.
الصفات الايجابية في طفلك لا يجب أن تتعلق بالدراسة أو الرياضة. يمكن أن تكون صفات حميدة يتمتع بها أو خفة دم أو مقدرات أخرى مختلفة قد لا تنتبه لها بسهولة فابحث عنها، (ابحث عن حسناتهم وحتماً ستجدها).
امنح أطفال جوائز على أخلاقياتهم أو تميزهم الخلقي أو السلوكي ولتكن هذه الجوائز غير مادية مثلاً ككلمات الإطراء و التأييد والثناء على هذه الصفات والأعمال.
مره أخرى دعوة للجلوس على مائدة مستديرة (سفرة للي ما عندهم طاولة) و اطلب من كل شخص موجود أن يؤيد أو يمدح صفة حسنة في الشخص اللي على يمينه. هذا سيشجع على إضفاء جو خاص من المتعة داخل الأسرة بإضافة إلى تركيز أنظار الجميع على الجوانب الإيجابية والتقليل من البحث عن الأخطاء والتصيد.

3. اعتنق الفكاهة والدعابة:
من الصعب جداً أن تشعر بالغضب عندما تكون مرتبطاً أو منسجماً في حالة ضحك عميقة أو حين تعيش هذه الحالة أكثر من مرة في اليوم. فقط احرص على أنكم تضحكون مع بعضكم البعض (أنت و المرة والعيال) (أنتي و الرجل والعيال) احرصوا على ذلك في المنزل وخراج المنزل أيضاً.
عندما يشعر أحد الأطفال أو أحد أعضاء الأسرة بالاستياء قم بتقليد صوت مضحك أو قم بحركة مضحكة وقل: “سوف أجعلك تبتسم أيها المتغاضب” و ابتسم وأنت تقولها,,,, أعدك أن هذه التقنية لن تفضل أبداً ولكن لا تنسى أن نجاحها مرتبط بمدى قدرتك على إتقان الدور.
الأصوات المجنونة “المهبولة، المنسمة على قولتنا” والأسامي والتعليقات الظريفة التي تخلو من التجريح هي أمور مؤكدة لبث المزيد من الصحة العاطفية في المنزل وطرد موجات الغضب أو على الأقل تقليصها.

4. وظف العاطفة الوجدانية:
أغلب أطفالنا يتضورون و يتوقون للعواطف الوجدانية، ونحن للأسف لا ندرك ذلك، نحن نعيش الحياة في حالة عدو سريعة تجعلنا ننسى أن نأخذ استراحة لنعطي أو نوفر حضناً، أو لمسة أو لحظة لقول: “أحبك”
لا تفترض أن أطفالك يشعرون بحبك لهم، اجعلهم يشعرون و يتأكدون من سعادتك و زهوك وفخرك و امتناتنك بوجودهم في حياتك و شغلهم مكاناً وحيزاً أكثر من رائع في قلبك وعقلك،
ابدأ اليوم وأنهه بقول: “أحبك” “أنا سعيد لرؤيتك” “كم يسرني وجودك معي الآن ودوماً” “كما أنت رائع” “كم أنت جميل أو وسيم” أو أي كلمات مؤيدة و مشجعة تخترعها من عندك.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم