الامتحان: لذاتي أم لمعلوماتي ؟!
لقد مرّت عليَّ شخصياً سنواتٌ دراسيةٌ كثيرةٌ.. ولما شرعت أكتب عن الظروف الامتحانية لأضع خبرتي وتخصصي بين يدي القارئ الكريم،
تذكرت ما مررت فيها من امتحاناتٍ كثيرةٍ تمتد من سنوات الابتدائية مروراً بالطب ثم التخصص في الطب النفسي. أحصيتها فوجدتها أكثر من ألف امتحان!!.
وبالنهاية الحياة الدنيا كلها امتحان كبير!!
لكني وحتى لحظة كتابة هذه الأسطر كلما تعرضت لامتحانٍ ما تعاودني المشاعر ذاتها وأعاني نفس المعاناة، وأتذكر قول نابليون الشهير: (( أهون عليّ أن أخوض مئة معركة ولا اجتاز امتحاناً واحداً)).
فهل الامتحان: لذاتي أم لمعلوماتي ؟!
وإذا تفكّرنا في الامتحانات أو الاختبارات التي يتعرّض لها الإنسان لوجدناها مجرد سبرٍ للمعلومات والخبرات المكتسبة لدى هذا الشخص ضمن مادة الامتحان وحسب، وهذا بنظرةٍ سطحيةٍ نظريةٍ.
لكننا وعلى أرض الواقع نجد أن كل الناس لما يتعرّضون لظرفٍ امتحاني لا يأخذون الموضوع ببساطة على أنه سبرٌ لمعلوماتي في مادة الاختبار، وينتابهم شيء من الخوف والقلق يزيد وينقص وقد يصل لدرجة الرهاب المرضي Phobia،
الجواب: إن الفترة السابقة للامتحان هي بحد ذاتها امتحان لـقوة شخصيتك ومهاراتك في تدبير أمورك وتنظيم وقتك والتعامل مع التوتر، ومن جهة أخرى هي فترة امتحانٍ لـحبك وإخلاصك لأبويك أو من يهتم لشأنك ممن ينشدون منك التفوق والنجاخ.
إن فترة الامتحان تضع حبك وإخلاصك لمن حولك على المحك. فهي تختبر علاقاتك على مستوياتٍ عدة: علاقتك مع نفسك، وعلاقتك مع ربك، وعلاقتك مع أهلك و علاقتك مع وطنك، ومن هنا ينشأ التوتر والخوف من هذه السويعات الامتحانية،
ولو أنها تبدو سبراً للمعلومات والخبرات، ولكنها من العمق لترمز وتعبّر عن شخصك ومقدار ذكاءك من جهة، وإخلاصك لمن حولك من جهة أخرى..
وخاصةً أننا كثيراً ما تردد على مسامعنا من أهلنا ومعلمينا تلك العبارة القاسية: ((يوم الامتحان .. يوم يكرم فيه المرء أو يُهان )). وكأن الامتحان هو معركة شرفٍ وكرامةٍ!!
وتترسخ أكثر هذه الفكرة في نفوس أبنائنا لمّا يضع بعض الآباء والأمهات شرط محبتهم لطفلهم تفوقه الدراسي، كأن يرددوا على مسامعه: ( سوف لن أحبك إن لم تأخذ علامة جيدة في الرياضيات مثلاً) ،
أو يقولون له: (إن أنت أخذت الأول على المدرسة، فسوف أعطيك كذا وكذا أو أرضى عنك !!).
يجب أن يفهم أبناءنا أن الامتحان هو وسيلة من بين العديد من الوسائل المعبّرة عن شخصهم وذكاءهم وإخلاصهم، وليس هو الوسيلة الوحيدة. يجب أن نقدم الحب لأبنائنا بدون شروط.
فلو أن الطالب نظر إلى الامتحان على أنه سبرٌ لمعلوماته لا لشخصه، وبالمقابل لم يجعل الأبوين أو المحيط من الامتحان المُعبّر الوحيد عن شخص ابنهم و ذكاءه وإخلاصه ومحبته لهم.. لوجدنا أن رهاب الامتحان عند معظم الطلاب قد يتضاءل أو يضمحل.
والكلام في هذا النقطة التربوية يطول لأبعادٍ أسريةٍ اجتماعيةٍ، وأخرى تتعلق بالعملية التعليمية الحالية وسلبياتها وكيفية إجراء الامتحان.
وبالنهاية فإن أي امتحان يستلزم شيئاً من القلق الطبيعي البشري اللازم لأجل التحضير المناسب لهذا الظرف الصعب.
أولاً وقبل كل شيء وأهم من كل شيء.. حدد هدفك وليكن لك رؤية مستقبلية واضحة ومشرقة!
واعلم أن هذا من أعظم الأمور لنجاحك وتفوقك وليكن هدفاً كبيراً ونبيلاً، ومهما كان اجعل عنوانه العريض (( نيل رضا الله تعالى)). عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَن تعلَّمَ عِلما مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجهُ اللهُ ، لا يتعَلَّمُه إِلا ليُصِيبَ بِهِ عَرَضا مِن الدُّنيا ، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يومَ القِيامَةِ )) يعني : رِيحها . أخرجه أبو داود .
والهدف الكبير والمشرق الساطع يحفّز الطالب أكثر نحو العمل، ويجعله أكثر صبراً على تحمل صعوبات الدراسة، لأنه يمشي في طريقٍ طويلٍ وشاقٍ، يحمل بين جنبه نفساً توّاقةً حالمةً، وثغراً بسّاماً، وعينان معلّقتان نحو مستقبلٍ مشرقٍ بإذن الله.
لماذا الفشل في الامتحان؟!
حتى تتذوق لذة النجاح الحقيقية لابد أن تتجرع ولو لمرة مرارة الفشل. وتذكر أنه من الفشل والزلل والخطأ يتعلم الإنسان أضعاف ما يتعلمه من النجاح. وهذا لا يعني أن يتعمد الإنسان الفشل لكي ينجح ، فلا أحد يقبل ذلك!، بل ما أعنيه أن ننظر لتجربة فشل بعد المرور فيها من منظور إيجابي، نستخلص منها الخبرات اللازمة للنجاح.
لكن لماذا نفشل في الامتحان؟!
5. اضطراب نقص الانتباه Attention Deficit : يكون لدى الطفل نقص في القدرة على التركيز على شيء واحد لزمن مناسب. وقد يترافق اضطرابات فرط الحركة Hyperactivity Disorder ، والمعروفة اختصاراً ADHD.
6. صعوبات وبطء التعلّم Learning Disabilities and Slow Learning: وهي عجز وظيفي في الدماغ يؤدي لنقص القدرات على اكتساب المعارف الجديدة، كحالات الذكاء المتدني أو الصعوبة في القراءة Dyslexia أو الصعوبة في الحساب Dyscalculia أو الصعوبة في الكتابة Dysgraphia، ويتم تحرّيها بواسطة قياسات نفسية خاصة.
النوم والامتحان
يتطلب التحضير للامتحان النوم المريح لساعات عديدة تختلف حسب الشخص. والقاعدة أن يحقق النوم مهما كانت مدته قدراً من الراحة والنشاط والفاعلية اللازمة ليوم عملٍ جديدٍ.
وقت النوم المنصوح به:
اختلفت الآراء ما بين النوم المبكر والنوم المتأخر (السهر على الدراسة). إلا أنني شخصياً وجدت أن النوم المبكر و الدراسة في ساعات الصباح الأولى هي الدراسة المثمرة، وهذا الكلام تدعمه العديد من الدراسات ويتوافق مع فيزيولوجيا الجسم من حيث إفراز الهرمونات وفيزيولوجيا النوم أوما يدعى بالساعة البيولوجية والتوازن العضوي عموماً، وفي هذا يطول الكلام.
الأرق Insomnia في الامتحان:
إن مشكلة الأرق Insomnia (صعوبة الدخول في النوم) في فترة الامتحان هي مشكلة شائعة وتشكل مشكلة حقيقية ذات وقعٍ سيءٍ على الطالب.
• هيأ نفسك للنوم كتقليل الإضاءة في الغرفة والامتناع عن تناول المشروبات المنبهة في وقت المساء كالقهوة والشاي و العصائر الغنية بفيتامين C، والحمام الساخن قبل النوم جيد قد يساعد على النوم.
• أعطِ جسدك وقتاً معيناً لكي ينام، ينصح بفترة نصف ساعة، وإن مضى الوقت ولم تنم انهض من فراشك واعمد إلى نشاطٍ بديلٍ كقراءة الكتب أو الاستماع لقراءة هادئة من كتاب الله أو الصلاة أو مشاهدة برامج هادئة على التلفاز.
فليس من المفيد مجاهدة نفسك لساعة أو ساعتين على الفراش لكي تنام فهذا يتعبك ويشعرك بالإحباط الشديد.
• لا تجعل من قلة نومك في الليلة الماضية حدثاً كارثياً يؤرق نهارك.
الغذاء والدواء والامتحان
قديماً قالوا : (( البِطْنَةُ تُذهب الفِطْنَة )) و (( المعدة العامرة لا تحب أن تفكر ))
النصيحة الغذائية المختصرة خلال وقت الامتحان:
• نظم أوقات طعامك حسب ظروفك واحتياجاتك .. لا تكن فوضوياً و كل باعتدال .. ابتعد عن الإسراف والتبذير.
• إعطاء الزمن الكافي للطعام ولا حجة بضيق الوقت.
والقاعدة: (( امضغ اللقمة الواحدة ثلاثين مرة خير لك من أن تبتلع ثلاثين لقمة )).
• ابتعد عن الأغذية الدسمة بكثافة، لأن هذه الأنواع تجعل الإنسان الذي يكثر منها أميل للنعاس, وهذا يتعارض مع دراستك النشطة.
طبعاً الأولى الابتعاد عن المعصية، ولزوم سبيل الاستقامة. قال تعالى : ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) التغابن/16، وقال عز من قائل: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) البقرة/282.
ومع هذا .. (( كل ابن آدم خطاء )) ولكن (( خير الخطائين التوابون ))
وتذكر أن الله تعالى يعاملنا برحمته وعفوه ولا يعاملنا بعملنا..
أخي الطالب:
باختصار ..
– انظر إلى الامتحان على أنه لمعلوماتك وليس لذاتك…
– لا بد لك من هدفٍ مشرقٍ يهوِّن مصاعب طريق الدراسة…
– تذكر دوماً أنه من الفشل نتعلم أضعاف ما نتعلمه من النجاح…
– هنالك أسباب طبية نفسية تسبب الرسوب في الامتحان، والتي تتطلب التقييم في العيادة النفسية..
– جد واجتهد واعتمد البكور أو السهر والأفضل البكور لتحاكي الكون وتكسب دعوة الرسول
– لا تجعل من النوم و صعوبة النوم حدثاً كارثياً..
– كُل ما بدا لك باعتدالٍ دون إفراط..
– سارع بالتوبة من كل الذنوب، ومن التوبة .. المسارعة إلى الدراسة لتعويض ما فات..
– حبنا لك ليس مشروطاً بنجاحك، فمهما حققت تبقى أنت ابننا وأخونا وصديقنا الذي ندعو له بكل الخير..
أتركك في أمان الله وحفظه..