الإعلانات التجارية تدس السم في الدسم .
أصبحت الإعلانات التجارية جزءاً من المادة المعروضة في محطات التلفزة لدرجة جعلتها وكأنها الأكثر أهمية من المسلسل أو البرنامج التي تعرض أثناءه، والغريب في الأمر أن برامج الأطفال أيضاً أصبحت تتضمنها هذه الإعلانات مع أن الأطفال ليس لهم فيها لا ناقة ولا بعير، وكأننا نشهد دس السم في الدسم _إن كانت برامج التلفاز دسماً أصلاً_.
وقد اعتمد مصممو الإعلانات على المرأة كعنصر جذب تجاري وتسويقي لمنتجاتهم حتى لو لم تكن المرأة لها علاقة أساساً بهذا الإعلان، وفي كثير من الإعلانات أصبح إظهار مفاتن المرأة وجمالها، وكشف عورتها وأجزاء كثيرة من جسدها هو الأساس الذي يرتكز عليه الإعلان،
علماً أن كل فرد من أفراد الأسرة بشاهد هذا الإعلان، فليس من ساعات محددة لعرضه، أو برامج معينة دون عيرها، فما أن تكون الأسرة متحلّقة حول التلفاز تشهد إحدى برامجه، حتى تطل امرأة شبه عارية تظهر مفاتنها لتقنع المشاهدين بفعالية كريم جلد نسائي أو شامبو ما، بل بلغت الاستخفاف بعقلية المشاهد درجة يفصّل فيها الإعلان التجاري آلية عمل الفوط النسائية.
إن مشاهدة الأطفال لهذه الدعايات التي تظهر مشاهد غير أخلاقية تعتبر ضارة بهم على الصعيد الاجتماعي والنفسي، حيث تبدأ هذه المشاهد في إثارة وتحريك غريزتهم الجنسية والتسريع فيها، ويبدأ الطفل في إثارة مجموعة من التساؤلات التي قد تكون محرجة للوالدين، والمقارنة بين المرأة التي شاهدها على التلفاز ووالدته أو أخته، وتنبهه هذه المشاهد إلى أعضاء تفصيلية في المرأة لم يكن بنتبه إليها من قبل.
إن هذه المشاهد تخلق تضارباً انفعالياً عند الطفل، ففي الوقت الذي تربيه فيه الأسرة على حسن الخلق، ويتعلم من المدرسة تعاليمه الدينية السمحة، وما يرتبط بذلك من حشمه ووقار، تأتي هذه المشاهد لتعيشه مرحلة من المتناقضات والصراع الداخلي مع الذات، وتحرك فيه النوازع الفطرية التي تلهيه عن حاجاته واهتماماته الأساسية.
إن البراءة التي يعيشها الطفل في مرحلته النمائية قد تحطمها هذا المشاهد وتخرجها من المرحلة النمائية الطبيعية التي يعيشها وتزج به إلى مرحلة من المبكر عليه دخولها.
إضافة إلى انعكاس هذه المشاهد على أخلاقيات الأطفال وتعاملاتهم اليومية مع الآخرين ونظرتهم المتفحصة للجنس الآخر، وكسر حاجز العيب والحرام الذي تربوا عليه، وانتشار الألفاظ الجنسية بين الأطفال وتداولها، وقد يتعدى الأمر ذلك إلى تحفيز الأطفال على تداول لقطات جنسية عبر الموبايلات قدوة بمن هم أكبر منهم سناً.
كذلك الأمر بالنسبة للفتاة المراهقة، فهناك مخاطر جمّة تنطلي عليها مشاهدتها لهذه الإعلانات التي تخرج فجأة على شاشة التلفاز من دون أي سابق إنذار، فتبدأ هذه المراهقة بمقارنة ذاتها وجسدها مع جسد تلك المرأة التي على الشاشة، ومحاولة نمذجة السلوك منها، من حيث طبيعة اللباس أو المواد التي تستعملها من مواد تجميل وعطور وشامبو وغيرها، إضافة إلى نمذجة الحركات التي تقوم بها المرأة على الشاشة وتقليدها.
وهو ما يجعلها تعيش في حالة من الصراع بين تربيتها وثقافتها التي تنشّؤها عليها الأسرة، وبين رغبتها بالتقليد الأعمى، وتحريك النوازع والشهوات، وقد تلجأ الفتاة إلى التشكيك بالقيم والمثل التي تعلمتها من الأسرة والمدرسة والمجتمع، والرغبة بالانحراف إلى عالم آخر، يصوّره التلفاز بأنه العالم الأكثر جمالاً وصفاءً.
لذلك فإنني أقدم للأسرة مجموعة من التوجيهات التي من شأنها توعية الأطفال والمراهقين بهذه الإعلانات والوقاية من تأثيرها عليهم:
– تنمية الناحية الدينية والأخلاقية عند الأطفال والمراهقين.
– عدم التعلق الشديد بالتلفاز واعتباره مادة ترفيهية فقط في أوقات معينة، وعدم اعتبار كل ما يعرض فيه هي مواد يجب الاقتداء فيها، بل توعية النشء بأن هناك الكثير مما يعرض على التلفاز هو حرام ولا يجب مشاهدته.
– توجه المراهقين بالأهداف التجارية التي يسعى لها مصممو الإعلان، وبالتالي فهي أهداف غير أخلاقية لا ترتقي إلى الإنسانية.
– توجيه الأطفال للقنوات التلفزيونية النافعة والمفيدة، والبرامج التربوية والهادفة، والإشراف والرقابة على البرامج التي يشاهدونها.
– تعويد الأطفال على غض البصر عن المشاهد الفاضحة وتدريبهم على تغيير القناة عندما تعرض فيها هكذا مشاهد.
– الإجابة عن أسئلة الأطفال بشكل مبسط مع عدم إتاحة الفرصة خلال الجواب بفتح المزيد من الأسئلة .
– توعية الفتاة المراهقة بالمرحلة النمائية التي تمر بها وما يترتب عليها من تغيرات جسمية وانفعالية.
– التربية الجنسية للأطفال والمراهقين، تبعاً للمرحة العمرية التي يمرون بها، وعدم جعل التلفاز ومشاهده هو مصدرهم لهذه الثقافة التي يتعطشون للتعرف عليها.